المجلةبنك المعلومات

مؤامرة «إنترنتية» على اللغة!!

من الغريب حقاً أن يؤمن بعضنا، وباقتناع كامل، أن الغرب يهدف من وراء اكتشاف «الإنترنت» إلى القضاء على اللغة العربية، طبعاً لتدمير ثقافة العرب، حتى لا يعودوا مرة أخرى إلى واجهة التاريخ، ويصبحوا قوة عظمى تحكم العالم، كما حدث في زمان غابر.. كأن اللغة هي العائق الوحيد الذي سيمنع العرب من أن يصبحوا قوة عظمى، أو كأن العالم المتطور، والعلماء، والمكتشفين، لا هم لهم سوى التجمع والتناقش والتآمر على هذا الشعب، لتدميره، وتدمير ثقافته!

غريب جداً أن يفكر إنسان عاقل في أن الشبكة العنكبوتية عندما اكتشفها الأميركان لم يكن ذلك لأسباب عسكرية في ظل حربهم الباردة مع روسيا آنذاك، ولكن حتى يبدأ الشباب العربي استخدام «الشات» في ما بينهم بلغة إنجليزية عربية «مشفرة»، وبالتالي سيبتعدون عن لغتهم الأم التي تشكل خطراً حقيقياً على العالم، وبالتالي فإن الهدف الرئيس من «الإنترنت» هو إبعاد شباب العرب عن لغتهم، والقضاء عليها!

الأغرب من هذه الفكرة الساذجة، أن مروجيها ومردديها من فئة الأكاديميين الذين يدرّسون جيلنا المقبل، فإن كانت أفكارهم وهم أساتذة بهذا الشكل، فكيف يمكن أن نثق بالمعلومات التي يحشون بها عقول جيل كامل؟!

لم يخترع العالم الإنترنت من أجل عيوننا، كما لم يخترعوا أي اختراع سابق لنا، فهم يخترعون لأنفسهم أولاً، وللبشرية ثانياً، ومن لا يعجبه ذلك فليترك اختراعات الغرب المتآمر علينا وعلى لغتنا وثقافتنا وهويتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وليبدأ في اختراع ما يمكن أن يحسّن به حياة العرب بشكل خاص والبشرية بوجه عام!

لا مانع لدينا من «تكسير» جميع أجهزة «اللابتوب» الغربية، وحتى الـ«آي باد» والـ«آي بود» والـ«بلاك بيري» والـ«آي فون»، لأنها اختراعات ناس متآمرين علينا، شريطة أن نرى اختراعات عربية شبيهة تغنينا عن ذل سؤال الغرب عن اختراعاتهم، وتسهل حياتنا وحياة أبنائنا من دون خوف من مؤامرات، ومن دون أن نحتاج إلى لغتهم وأجهزتهم، فهل يستطيع العرب ذلك؟!

شخصياً لن أغامر بترك أي تقنية انتظاراً لتقنية العرب، لكني أعد ذلك الدكتور الأكاديمي صاحب نظرية «المؤامرة الإنترنتية على لغة العرب»، بأني سأترك كل ما يمت للغرب بصلة فور قيامه وأصدقائه المخترعين العرب بطرح أي منتج يصل مستوى «تقانته» إلى ربع التقنية الغربية!

غريبة تلك الأوهام، وغريب هذا التفكير، وأعتقد أن نظرية المؤامرة هي أحد أهم أسباب فشل العرب في دخول القرن الواحد والعشرين إلى يومنا هذا، فهي الشماعة التي نعلق عليها ضعفنا، وقلة حيلتنا، وهي الوهم الذي يسكن فينا، ونسكن فيه، وهي معزوفة الضعف التي يجيد العزف عليها كثير منا، فلا أسهل من البحث عن مسوغات، ولا أسهل من إطلاق الاتهامات، ولا أصعب من العمل، ولا أصعب من الاعتراف بالضعف!

ربما يكون هناك تآمر علينا في مجالات محددة، وواضحة، لكن ذلك أيضاً بسبب ضعفنا، أما إطلاق تعميم التآمر في كل شيء، حتى في الاختراعات التي لم تكن موجهة إلينا في الأساس، ونحن من نحتاج إليها ولا نستطيع العيش من دونها، فإن في ذلك مبالغة غير مستحبة، ولاشك في أن هذه المبالغة تصبح خطيرة إن كانت موجهة إلى عقليات طلبة وطالبات في مرحلة مهمة من العمر، وإقناعهم بهذا الكلام يقع تحت بند تهميش وتسطيح عقولهم، فهل الخطورة في الإنترنت أم في هذه الأفكار السطحية؟!
* سامي الريامي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى