مبدعوننقاط مضيئه

الخبراء المسلمون الغربيون على وشك نهضة علمية

“النهضة العلمية في طريقها للعودة إلى الدول الإسلامية”.. عبارة تظهر بريقًا لا يستطيع المطلع على أحوال التعليم والعلم في البلدان الإسلامية تصديقها بسهولة، لكنها خلاصة ما يراه في الوقت الراهن مفكرون غربيون مطلعون على شئون البحث العلمي في العالم الإسلامي.

المفكر الفرنسي فرانسوا بورجا عبّر عن تفاؤله حيال مستقبل البحث العلمي في العالم الإسلامي، متوقعًا زيادة وسرعة تدفق التكنولوجيا للدول العربية والإسلامية في ضوء ما يسمى بالعولمة التكنولوجية، فيما رأى المفكر والكاتب الإنجليزي جيمس ويلدسون أن المبادرات الطموحة للبحث العلمي التي أطلقتها مؤخرًا عدد من هذه الدول تُعَدّ مؤشرًا على بدء سطوع هلال الابتكار في سماء العالم الإسلامي.

ويكفي للدلالة على ذلك، بحسب الباحثين الغربيين، أنه في الاثنى عشر شهرًا الماضية في جميع أنحاء العالم الإسلامي ظهرت علامات يمكن رؤيتها بالعين المجردة لهذا التغير.

ففي مايو الماضي، خصصت الإمارات مبلغ 10 مليارات دولار لإنشاء مراكز أبحاث في الجامعات العربية، وفي نيجيريا (أكثر من نصف سكانها مسلمون) ضخت الحكومة مبلغ 5 مليارات دولار من عوائد النفط لدعم البحث العلمي والتعليم، كما جرى تخصيص أرض بمساحة 2500 فدان لإنشاء مدينة للتعليم تكون مقرًّا لخمسة من أشهر جامعات العالم بقطر.

وفي عام 2006، وضع العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، حجر الأساس لجامعة العلوم والتكنولوجيا بالطائف، والتي ستتكلف 2.6 مليار دولار، إضافة إلى جامعة أخرى بجدة أُعلن عنها الشهر الماضي. وفي ديسمبر 2006 أطلق الرئيس المصري حسني مبارك حملة “عقد من العلم والتكنولوجيا”.

يقول بورجا: “في القرنين التاسع عشر والعشرين كان هناك احتكار واضح للعلوم من جهة أوروبا أولاً، ثم الولايات المتحدة التي هيمنت على العلم بعد الحرب العالمية الثانية. لكن مناطق مثل جنوب آسيا (اليابان والصين ثم الهند) قللوا بالفعل من سيطرة الغرب على التكنولوجيا، والسبب هو أن الباحثين بالجامعات الأمريكية يأتون من شتى دول العالم، ومنها دول العالم الإسلامي”.

وما ينقص العالم الإسلامي في نظر بورجا هو “وجود بيئة سياسية ديمقراطية وحوافز مادية كبيرة ترفع من وضع الباحثين لمستوى مقارب للمعايير العالمية”، مؤكدًا أن كلا العاملين سيسهم في إمكانية إعادة إدماج المهارات العلمية المهاجرة في معاهد الأبحاث الوطنية.

تدني الإسهام العلمي

المبادرات العربية والإسلامية في مجال البحث العلمي التي تم إطلاقها مؤخرًا كانت محط إعجاب الكاتب الإنجليزي جيمس ويلدسون الذي استهل مقال له في صحيفة “فايننشينال تايمز” البريطانية الأسبوع الماضي بالحديث عن فضل علماء المسلمين القدامى على العالم قائلاً: “نصر الدين الطوسي وابن النفيس أسماء غير مألوفة لدى كثير من الناس الذين يعرفون إسحاق نيوتن أو ألبرت أينشتاين. ولكن هؤلاء وغيرهما من علماء الإسلام من القرنين الـ12 و13 يعتبرون من أبرز المفكرين الذين شكّل عملهم الطريق للعلوم الحديثة”.

ومثلما جرى في الصين، فإن تاريخ العلوم الإسلامية والاختراعات واحد في رأي ويلدسون، حيث تكون هناك فترة ازدهار يعقبها فترة تراجع يطول أمدها. واليوم فإن الإنفاق على البحث والتطوير في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي الـ75 يبلغ متوسطه 0،38% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 2،36%.

ولا يربط الكاتب هذا التدني في الإسهام العلمي بالفقر، فدول مثل السعودية والكويت الغنيتين بالنفط هما من أقل الدول المستثمرة في البحث العلمي. وفي عام 2007 أنتج العالم العربي مجتمعًا حوالي 13 ألف دورية علمية، بينما تصدر جامعة هارفارد وحدها قرابة 15 ألف دورية.

وكان استطلاع قد أجري عام 2002 حدد 3 موضوعات فقط هي جلّ ما تميزت فيه هذه الدول، وهي: تكنولوجيا تحلية المياه، وأبحاث على الصيد بالصقور، وتربية الجمال، وهو ما جعل المعلقين يقولون إن الإسلام معادٍ للاختراعات.

صورة تتغير

لكن هذه الصورة بدأت تتغير، حيث يصف المفكر والكاتب الإنجليزي المبادرات والبرامج الجديدة التي أعلنها قادة في دول الخليج بشكل خاص حول البحث العلمي بمؤشر على “بداية سطوع نجم الاختراعات الإسلامية” في المستقبل القريب.

ويقول ويلدسون: “مثلما حققت بعض الدول الصغيرة مثل فنلندا، آيرلندا، وسنغافورة بعض قصص النجاح في مجال الابتكار العالمي خلال العقد الماضي، فإن العالم الإسلامي ربما يفاجئنا كذلك”.

وتابع: “بفضل المساعي الدؤوبة التي بذلها ريتشارد داوكينز (عالم الأحياء البريطاني، وكريستوفر هيتشينز (الصحفي الشهير) وآخرون، هناك نزعة متجددة لرؤية العلم والدين كقطبين متناقضين. وفي أماكن أخرى هناك دائمًا قبول أوسع بأن الإيمان لا ينفصل عن البينة والسبب”.

وأثبتت العديد من الدول التي تتمسك بمبادئ الدين الإسلامي بأنها من ضمن الدول الأكثر دعمًا للأبحاث العلمية، فإيران على سبيل المثال، كانت أول دولة بالشرق الأوسط تطور خط خلية جذعية جينية بشرية.

لكن الكاتب أقر بأن الطريق إلى عالم إسلامي ابتكاري لا يخلو من عقبات، فما زالت هناك بعض التحديات المثبطة للهمم. والواقع أن القسم الأكبر من الأموال المتزايدة باستمرار لتمويل الأبحاث في هذه الدول يتم توجيهه للتقنية العسكرية، مدفوعين إلى ذلك بالظروف الجيوبولتيكية (الجغرافيا السياسية) أكثر من محاولة الحصول على المعرفة الجديدة والمتطورة. ومن غير المرجح أن ينظر إلى التقدم في مجال التكنولوجيا النووية الإيرانية في أي مكان آخر، مثلما ينظر إلى التطورات التي يتم إنجازها بواسطة صناعة البرمجيات في ماليزيا.

نزيف العقول

ولا تزال هناك عقبة كبيرة أخرى أمام سطوع هلال التقدم بالدول الإسلامية، حسبما يرى ويلدسون، وهي نزيف العقول والموهوبين من العلماء والمهندسين الذين يختارون مواصلة حياتهم الوظيفية بالولايات المتحدة وأوروبا والذين كان لعودة القليل منهم إلى بلادهم أثر إيجابي بالصين والهند.

وقدر تقرير التنمية البشرية العربي الصادر عن الأمم المتحدة عام 2003، عدد العقول العربية بما يزيد على مليوني ومائة من حاملي رسالة الدكتوراة في تخصصات مختلفة، خسر من وراء هجرتها العالم العربي أكثر من 200 مليار دولار.

وعدّ التقرير أن الفجوة العلمية تزداد بين الدول العربية ونظيرتها الآسيوية والأوروبية والأمريكية، خصوصًا من جهة نصيب الدول العربية من براءات الاختراع، وهو ما أسهم في عدم وجود اسم لجامعة عربية واحدة ضمن الجامعات العالمية الـ600 الأولى.

وتُعَدّ مصر الدولة الأكثر معاناة بين شقيقاتها العربيات من هذه الظاهرة، حيث تسهم بأكثر من 65% من جملة العقول العربية المهاجرة إلى كل من الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا؛ إذ تشير الإحصاءات لوجود حوالي 824 ألف مصري متميز بالخارج ما بين عقول وكفاءات ورجال أعمال بارزين.

ويأتي العراق كثاني دولة عربية معاناة من هذه الظاهرة، حيث يساهم بأكثر من 12% من العقول العربية المهاجرة، وتضاعفت خسارة العراق من علمائه، سواء بالهجرة أو الاغتيال منذ غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت، وما تلاه من حصار دولي وحربين أكلتا الأخضر واليابس في بلاد الرافدين.

كما أن سوريا ولبنان والأردن وفلسطين تعاني أيضًا من ظاهرة هجرة العقول بنسبة تصل إلى 15% من العقول العربية المهاجرة، بحسب التقرير.

في الاتجاه الصحيح

هذه النقطة يرجعها المفكر الفرنسي إلى أن “الباحث الذي يشعر بعدم قدرته على تحقيق مستقبل مهني مشرق يبدأ في البحث عن ظروف أفضل بمكان آخر”.

وأشار إلى أن دول الخليج بدأت في عرض رواتب مرتفعة ودمج الباحثين من مختلف الجنسيات، وهو ما قد يكون واحدًا من أوائل الخطوات بالاتجاه الصحيح.

ويتوقع بورجا أن تعمل المؤسسات العلمية الغربية على تحجيم البرامج الإسلامية الطموحة، مشيرًا إلى القيود التي تفرضها هذه المؤسسات على إيران فيما يتعلق بالتكنولوجيا النووية.

غير أنه استدرك قائلاً: “لكن هل ستستطيع أوروبا والولايات المتحدة تحقيق هذه السياسة على المدى البعيد؟.. لا أعتقد ذلك”.

وقال المفكر الفرنسي: “إن العلم سيسافر أسرع.. وستكون الأخبار العلمية على الإنترنت متاحة للبحث العلمي في أقرب وقت ممكن. لذلك فإن القدرة على إيجاد سوق علمي في العالم الإسلامي ستكون في المقام الأول بيد هؤلاء الذين يريدون حقًّا نشرها في بيئتهم المحلية”.

المصدر: إسلام اون لاين 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى