المجلةابتكارات جديده

الاختراع الذي أنقذ بريطانيا

* الحرب ليست صراعاً في الميدان فقط؛ بل وأيضاً في المعامل ومراكز الأبحاث. ففي حين يحارب الجنود على الجبهات يسعى العلماء لتطوير سلاح جديد أو اختراع آخر مضاد. وكثيراً ما كان الفوز حليف من يتقدم بخطوة واحدة فقط.. فلو تأخرت الحرب العالمية الثانية لثلاثة أشهر فقط لاستطاع الألمان بناء قنبلتهم الذرية الأولى، ولو انتهى الأمريكان من تركيب أول رادار في بيرل هاربر لتنبؤوا بالهجوم الياباني قبل وقوعه.

وحين اجتاحت جيوش هتلر دول أوروبا بقيت بريطانيا وحيدة في مواجهة قوات أكثر منها عتاداً وعدة. غير أن الفضل في بقائها ـ ثم انتصارها في “معركة بريطانيا” ـ يعود إلى اختراعين ظلا سراً حتى نهاية الحرب.

الاختراع الأول لم يكن أكثر من جهاز صغير لفك الشفرة ـ يشبه الآلة الطابعة ـ فقد كان بمقدور هذا الجهاز فك الشفرات الألمانية وتتبع رموزها كلما تغيرت. وبفضله استطاع البريطانيون التنبؤ بالتحركات الألمانية والاطلاع على الأوامر الصادرة من هتلر شخصياً.. وقد بلغ حرص البريطانيين على الجهاز انهم أخفوه عن حلفائهم وضحوا بالكثير من الجنود والمدنيين ـ فقط ـ كي لا يستنتج الألمان انهم يملكونه!!.

* أما الجهاز الثاني فكان الرادار..

فالرادار اختراع بريطاني ظهر في وقته تماماً وبفضله نجت انجلترا. فحين رفضت بريطانيا الرضوخ لتهديدات هتلر قرر اجتياحها بمعركة تبدأ بطلعات جوية مكثفة. ففي ذلك الوقت كان سلاح الجو الألماني يتفوق على نظيره البريطاني بنسبة خمسة إلى واحد ـ فضلاً عن أنه أكثر منه تطوراً وخبرة ـ وكان هتلر على ثقة من تفوق سلاحه الجوي لدرجة أنه أمر جيوشه بالاستعداد لاجتياح انجلترا بعد ثلاثة أسابيع فقط. ولكن العلماء البريطانيين كانوا قد انتهوا للتو من بناء أول رادار يكشف الطائرات المعادية قبل وصولها!!

.. والرادار كما هو معروف جهاز يرسل موجات راديو مكثفة حين ترتطم بجسم صلب (كالطائرة) تعود مجسدة صورة وبُعد الجسم. وهكذا حين بدأت الطائرات الألمانية بالهجوم كان البريطانيون قادرين على التنبؤ بقدومها وتحديد مكانها وموعد وصولها.. بل إن البريطانيين امتلكوا ميزة الرؤية في الظلام والضباب والاختباء داخل السحب. وبهذه الطريقة كانت الطائرات الألمانية تفاجأ بالطائرات البريطانية ـ الأقل حجماً وتسليحاً ـ تهبط عليها من أعلى الغيوم وتفتك بها بدون خسائر تذكر. واستمر الحال على هذا المنوال لأسابيع عديدة خسر فيها الألمان أفضل رجالهم وأصبح سلاحهم الجوي في حالة يرثى لها.. بل إن الطيران البريطاني أصبح أكثر جرأة وغدا يقصف المدن الألمانية ليلاً ـ لعجزه عن الانكشاف نهاراً.. وفي النهاية تراجع هتلر عن خطته لغزو بريطانيا واعترف ضمناً بالهزيمة!

هذه المعركة ماتزال حتى اليوم من أكبر المعارك الجوية ويطلق عليها اسم “معركة بريطانيا”. ولو قدر لهتلر الانتصار فيها لانهارت أوروبا ولما تجرأت أمريكا على دخول الحرب في أيامها الأخيرة!!

الشعب البريطاني من جهته لم يكن قد سمع بالرادار وبالتالي لم يتوقع انتصاراً كهذا. ولكن حين تأكدت هزيمة ألمانيا أثنى تشرشل على طياريه بقوله: لم يحدث في التاريخ أن دان مثل هذا العدد الكبير من الناس لمثل هذا العدد الصغير من الرجال.

ولكن لو اردنا تحري الدقة أكثر لقلنا:

لم يحدث في التاريخ أن دان مثل هذا العدد الكبير.. لمثل هذا الاختراع الصغير!!

فهد عامر الأحمدي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى