المجلةبنك المعلومات

الاختراع الناجح يملك ألف جنسية

حتى يومنا هذا ما تزال نزاعات علمية كثيرة عالقة بين الدول المتقدمة (يمكن ملاحظتها بوضوح في مناهجها المدرسية)؛ ففرنسا مثلا تُدرس طلابها ان طبيبا فرنسيا اكتشف البنسلين قبل فيلمنج الانجليزي بسبعة أعوام.. والروس يدعون ان سبينياسكي سبق ماركوني الايطالي باختراع اللاسلكي.. وفي حين يدعى الامريكان ان الترانزستور اختراع وطني يقول اليابانيون أن سوني أحيت الفكرة بعد ان وصل الامريكان لطريق مسدود.. أما الألمان فيقولون (وأشهد أن هذه صحيحة) ان التلفون والمصباح الكهربائي اخترعا في المانيا قبل جراهام بيل وتوماس اديسون في امريكا..!

… وقبل أيام كنت أشاهد فيلما وثائقيا عن اختراع «الطائرة» وكيف وصلت للمستوى الذي نراه اليوم.. فمن المشهور حاليا – ومعروف عالميا – أن عصر الطيران (الآلي) بدأ في السابع عشر من ديسمبر 1903 حين نجح الأخوين رايت في التحليق بطائرة مزودة بمحرك على شاطئ كيتيهوك في ولاية كارولاينا الشمالية.. والطريف أن الأخوين رايت (أورفيل، وويلبر) كانا يملكان ورشة لتصليح الدراجات وسمعا بنجاح المخترع الألماني أوتو ليلنتال في الطيران بطائرات شراعية ففكرا بتزويدها بمحرك قوي يوفر لها الدفع اللازم في الهواء..

ورغم بديهية هذه الخطوة إلا أن مخترعين من جنسيات عدة فشلوا في تنفيذها بسبب صعوبة التحكم بالطائرة في الهواء. غير أن الأخوين رايت كانا دائما يشبهان الطائرة بالدراجة من حيث صعوبة التحكم بها وحفظ توازنها أثناء انطلاقها (….) وبعد أربع سنوات من التجربة والخطأ توصل الأخوين رأيت الى بناء طائرة متوازنة بمحرك ميكانيكي قطعت في المحاولة الأولى 37 مترا (قادها أورفيل) وفي الثانية 260 مترا (قادها ويبلر)!!

وكما يحصل مع كل إنجاز عظيم حاولت أمم عديدة احتكار نجاح أول طيران آلي لنفسها؛ فالفرنسيون مثلا لا يعترفون بإنجاز الأخوين رأيت وينسبونه إلى الفرنسي كليمون آدر الذي حسب المصادر الفرنسية – نجح في التحليق بطائرة مزودة بمحرك بخاري عام 1890 أما البرازيليون فينسبون الفضل لمواطنهم ألبرتو سانتوس الذي نجح قبل الأخوين رايت في إطلاق طائرات آلية (أثبتت نجاحها في باريس عام 1906). أما الألمان فيستخفون بطائرة رايت ولا يرون فيها غير تقليد واضح لطائرات ليلينتال قبل تزويدها بمحرك.. أما البريطانيون فيذكرون الجميع بأن فكرة الطائرة الحقيقية تعود الى «جورج كيلي» الذي صمم أول طائرة آلية تضم عناصر التحكم التقليدية (كالذيل والجنيحات ودفة التحكم) عام 1809!!!

… الحقيقة هي أن الطائرة (مثل أغلب الاختراعات الكبيرة) لم تظهر بشكلها الكامل فجأة – بل من خلال مخترعين من جنسيات مختلفة أضافوا اليها تباعا.. وحلم الطيران بالذات بدأ منذ الخليقة حين شاهد الإنسان الطيور وتمنى تقليدها. وفي القرن الثالث الهجري حاول المخترع الأندلسي عباس بن فرناس تجربة العديد من الأجنحة المنزلقة – خارج مدينة قرطبة – ولكنه سقط من علو كبير مما تسبب بوفاته عام 274ه.. وفي القرن الخامس عشر الميلادي لاحظ الايطالي ديفنشي طريقة طيران الطيور فوضع رسوما دقيقة مازالت تثير الدهشة حتى يومنا هذا….. وإذا تابعنا القصة حتى نهايتها سندرك أن «الطائرة» اختراع عظيم يتجاوز الحدود القومية والنعرة العصبية ويتقاسم فضلها رواد لم يفكروا يوما بجنسية الإنجاز!

فهد عامر الأحمدي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى