بنك المعلوماتالمجلة

أنطونيو فنست.. الحفاظ على الغابات من أجل إمدادات المياه

لا يستطيع الكثير من الناس رؤية الأمور على نحو صحيح عندما يجدون الجموع من حولهم تسير في اتجاه معين، فيؤثرون السير معهم على رؤية الأمور على وجهها، بينما يعطي الله القليل من الناس البصيرة التي تريهم أن السباحة عكس التيار في هذه الحالة هو المصلحة، ويؤتيهم الشجاعة لفعل ما يرونه صحيحا ولو سخر الناس منهم، ومن هؤلاء القلة الرجل الثمانيني البرازيلي أنطونيو فنسنت.

أنطونيو فنسنت Antonio Vincente المولود في ولاية ساو باولو البرازيلية، والبالغ من العمر 84 عاما، أمضى السنوات الأربعين الأخيرة من حياته في إعادة تشجير أرضه، وإعادة الحياة إلى المنطقة التي كان قد تم تجريفها لتربية الماشية. نشأ أنطونيو في أسرة كبيرة، حيث كان لأبيه 14 طفلا،ً كان والده يعمل في مزرعة لأحد الملاك، وفي طفولته شاهد والده وهو يقطع الأشجار بناء على أوامر المال كين، لاستخدامها في إنتاج الفحم، وشاهده يقوم بإزالة المزيد من الأراضي لتربية الماشية، وشهد كيف أنه في نهاية المطاف، جفت مياه الينابيع في المزرعة ولم تعد منذ ذلك الحين أبدًا. كان السائد في تلك الفترة هو تشجيع الحكومات العسكرية في البرازيل لملاك الأراضي الأثرياء على التوسع من خلال منحهم ائتمانات مدعومة بسخاء للاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة، وهو تحرك كان الجنرالات الحاكمون يأملون أن يساهم في تعزيز الزراعة الوطنية.

وكان أنطونيو يراقب تدمير الغابات المحلية من أجل التوسع في رعي الماشية والصناعة، ومع نمو السكان والتوسع الحضري السريع للدولة، وهو ما أدى في النهاية إلى اختفاء ينابيع المياه، وجفاف الأراضي.. في تلك الفترة ترك أنطونيو الريف، وذهب إلى الحضر، وعمل ليل نهار، كي يستطيع شراء قطعة من الأرض من أجل إحيائها. ولأن الغابات كانت تعد في ذلك الزمان في البرازيل عقبة أمام “التقدم” والربح، فقد اعتبره الناس مجنونا. حينما اشترى الأرض في عام 1973، وقال أنه يريد استخدامه لزراعة غابة.

ولأنه كان مدركا أن الحفاظ على الغابات ضروري لإمدادات المياه، لكون الأشجار تمتص الماء وتحتفظ به في جذورها وتساعد من ثم على منع تآكل التربة. لذا فقد بدأ مع فريق صغير العمل على الرقعة الصغيرة التي اشتراها وتبلغ 31 هكتارًا 77 فداناً من أجل إحيائها بزراعة بذور للأصناف المحلية من الأشجار. وكلما مر عليه ملأ من جيرانه من مربي الأبقار ومزارعي الألبان، سخروا منه قائلين:

“أنت غبي، فزراعة الأشجار هي مضيعة للأرض، ولن يكون لديك دخل إذا صارت الأرض مليئة بالأشجار، فلن يكون لديك حينئذ مكانا للأبقار أو المحاصيل. ول كن ما بدأ معه أنطونيو كأغنية في عطلة نهاية الأسبوع أصبح الآن أسلوباً للحياة، فبعد مرور أكثر من 40 عاما،ً يقدر أنطونيو الذي يبلغ الآن 84 عاما أنه أعاد زراعة 50 ألف شجرة في سلسلة جبال سيرا دا مانتيكويرا حيث تقع أرضه، وبفضل دأبه وإصراره على تنفيذ ما رآه صوابا منذ البداية، صار بأرضه ثمانية شلالات للمياه.

كان أنطونيو يعمل ليس فقط ضد ما يعتقده جيرانه، ول كن ضد التيار الوطني السائد سنين عددا، حيث شهدت ولاية ساو باولو التي يعيش فيها أنطونيو، أسوأ حالات إزالة الغابات في البرازيل، فبينما تعتبر ساو باولو أغنى ولاية في البرازيل، ومسؤولة عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلا أنه مع نمو الأهمية الاقتصادية للمنطقة تدمرت البيئة المحلية. فخلال الثلاثين سنة الماضية، وبينما كان أنطونيو يزرع غابته، تم قطع 183 ألف هكتار أكثر من 452 ألف فدان من الغابات الأطلسية في ولاية ساو باولو لإفساح المجال للزراعة وتوسيع المدن. وبينما كانت الغابات الأطلسية تغطي في الأصل 69 ٪ من مساحة الولاية، لم يبق منها الآن سوى 14 ٪ فقط.

سلام على أصحاب البصائر من أمثال أنطونيو، فبعد التدهور الكبير في بيئة الغابات بالبرازيل، أصبحت مبادرات الحكومة المحلية في المنطقة تعطي دفعة شهرية صغيرة لتشجيع المزارعين الذين يحمون إمدادات المياه عن طريق غرس الأشجار والحفاظ عليها، حيث تسعى ساو باولو حاليا لتحقيق خطة لتصفير إزالة الغابات، على الرغم من أنه لم يعد يوجد سوى القليل من الغابات ليتم قطعها، أما على الصعيد الوطني، وفي عام 2015، فقد التزمت البرازيل بإعادة زراعة 12 مليون هكتار 29.6 مليون فدان من الأراضي التي أزيلت أشجارها بحلول عام 2030، لذلك فقد تم إطلاق التحالف من أجل استعادة الأمازون، وهو يضم مجموعة من الهيئات الحكومية، والمنظمات غير الحكومية، ومبادرات القطاع الخاص والجامعات، في يناير 2018 لمواجهة هذا التحدي الهائل.

اليوم وبعد انتخاب نظام حكم يميني مجددا في البرازيل، هل يصمد هذا التحالف أمام سعار البحث عن الربح؟ هذا ما ستثبته السنون القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى