المجلةبنك المعلومات

طارق لوباني.. وطباعة المستلزمات الطبية ثلاثيا من غزة إلى كندا

قلنا سابقا ونقول مجددا أن خير التطوع ما كان استثمارا لتخصصك وخبراتك ومهاراتك، أي اختصارا التطوع بما تحسنه وتجيده، فإذا جمع الإنسان إلى تخصصه المهني مهارات تضيف إلى مهنته، وكان لديه فوق ذلك كله هما إنسانيا ووطنيا، إذا كان كل ذلك كذلك، فإن من خير النماذج التي تجمع ذلك الطبيب الفلسطيني الكندي طارق لوباني الأستاذ المساعد لطب الطوارئ في جامعة ويست أونتاريو في كندا.
ظهر اسم لوباني في الأخبار مجددا ضمن متابعة وسائل الإعلام لجهود مكافحة العدوى بفيروس كورونا المستجد. حيث استثمر معرفته بفنون التصميم والطباعة ثلاثية الأبعاد ليقوم بطباعة 200 من دروع الوجه المخصصة للطاقم الطبي لزملائه في المستشفى الجامعي، كبداية لتوسيع دائرة حماية الأطقم الطبية في كندا من أضرار العدوى بالفيروس.
يقول لوباني فيما نقله موقع راديو سي بي سي كندا بتاريخ 19 مارس 2020 “عندما بدأنا نشهد زيادة في الأرقام (الخاصة بكورونا)، أصبح من الواضح أن كندا سيكون لديها نفس المسار مثل أي مكان آخر”، “حينها أدركنا أنه إذا كانت واقيات الوجه ومعدات الحماية الشخصية الأخرى تنفد لدى الجميع، فإنها كذلك ستفعل هنا”.
لذلك لجأ لوباني إلى مؤسسته الخيرية الدولية “مشروع جليا Glia Project”، التي تنتج لوازم طبية منخفضة التكلفة، بالطباعة ثلاثية الأبعاد مثل السماعات وسدادات الأوردة، لمناطق النزاع والمناطق الفقيرة.
عمل لوباني وزملاؤه في المؤسسة على تصميم درع للوجه يمكن طباعته بالمئات، وهي مصنوعة من البلاستيك، وتتميز بالمرونة، وتغطي الوجه بالكامل، وتحمي الأنف والعينين من القطرات التي قد تحتوي على فيروس كورونا المسبب لمرض COVID-19. ويمكن استخدام الدروع التي أنتجتها مؤسسة جليا بالإضافة إلى، أو كبديل لأقنعة الوجه N95 التي عادة ما يرتديها العاملون في مجال الرعاية الصحية.
يقول لوباني “بالنظر إلى المشهد الحالي، فإن هذا يعد حقا فوزا لنا [يقصد طباعة القناع] حيث لم يصبح على أي من زملائي القلق بشأنه، لقد كان هذا وعدا قطعته على نفسي لصالح زملائي، وسرعان ما سيصبح هذا وعدي الذي أقطعه لجميع العاملون في مجال الرعاية الصحية في كندا”.
يقول لوباني أنه يأمل في التواصل مع أشخاص آخرين في جميع أنحاء كندا ممن لديهم إمكانية الوصول إلى الطابعات ثلاثية الأبعاد، قائلا “إذا كان أي شخص يعاني من عدم توافر أقنعة الوجه هذه، كما نتوقع، أو إذا كانوا يتوقعون عدم توافرها، فنحن منفتحون لمساعدة أي شخص في أي مكان في كندا على تصنيع أقنعة خاصة بهم”، و”نعتقد أنه يمكننا تجنيد الكثير من الأشخاص الأذكياء والمجتهدون باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد والتأكد من أنهم يشغلون الأجهزة (الطابعات ثلاثية الأبعاد) على مستوى قياسي”.


لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها اسم طارق لوباني، فقد اعتاد أن يتردد على قطاع غزة لتقديم العون الطبي (كونه متخصص في طب الطوارئ)، ومع تعرض القطاع لأكثر من عدوان إسرائيلي أسس لوباني مؤسسته “مشروع جليا” أثناء تقديمه للدعم الطبي في غزة أثناء عدوان 2012.
وفي عام 2015 بدأ لوباني من خلال مؤسسته طباعة المستلزمات الطبية التي يحتاجها قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007، مثل السماعات التي لا تتجاوز تكلفة الواحدة منها 2.5 دولار وممسكات الإبر needle drivers، ومقياس تأكسج النبض pulse oximeters، وغيرها من التجهيزات.
يقول لوباني فيما نقله عنه تقرير موقع “ثري دي برنت” بتاريخ 10 سبتمبر 2015: تتمثل إحدى مزايا تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، كما نراها بشكل متكرر، في قدرتها على تصنيع العناصر الضرورية عند الطلب وفي الموقع للمناطق الأكثر احتياجا لها”.
وبالنسبة للطابعة ثلاثية الأبعاد في غزة فقد تم تجميعها محليا هناك، وتمكن د. لوباني من ربط المكونات المطبوعة ثلاثية الأبعاد معا لصناعة السماعات، حيث كان يشرف بنفسه في غزة على صناعة أول تلك السماعات مفتوحة المصدر، والتي تفوق بشهادة واحد من أساتذة طب الطوارئ في المستشفى التي يعمل بها لوباني في كندا: أنها تضارع أحدث أشهر ماركات السماعات في العالم (ليتمان كاريولوجي 3).
وكما قال الدكتور لوباني للموقع ذاته “أنا سعيد للغاية لأن المرضى في غزة والمرضى في جميع أنحاء العالم يمكنهم الآن، باستخدام هذه السماعات الطبية، الحصول على أفضل رعاية ممكنة”.
ولا تكتمل القصة إلا بذكر أنه في عام 2018 كان الدكتور طارق لوباني قد أصيب برصاصتين في قدميه بينما كان يقدم الإسعافات الطارئة للمتظاهرين بالقرب من الحدود بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة (إسرائيل)، وذلك بعدما استهدفه قناص إسرائيلي، وذلك على الرغم من أنه وباقي أطقم الإسعاف الطبي كانوا يرتدون سترات مميزة وبادية للعيان.
كل يوم تقدم لنا أزمة انتشار وباء كورونا المستجد أبطالا للإنسانية، ولا شك أن الدكتور طارق لوباني هو أحد هؤلاء الأبطال.

د. مجدي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى