المجلةبنك المعلومات

روزماري مورو.. جائزة الأفضلية العالمية للأغذية والزراعة

من الناس أن يختار أن يجعل عمله الذي يكتسب منه رزقه هو نفسه عمله الذي يجد فيه شغفه، والذي يؤدي فيه رسالته التي يتجاوز نفعها منفعته الشخصية، فتكون الأولوية بالنسبة له للشغف ، ومن الناس من تنفصل عنده تلك المكونات الثلاث: كسب العيش، والشغف، والرسالة. وربما حتى يختفي بعضها، حين يصبح كسب المال هو الشغف، والرسالة.

من بين الشخصيات التي تجسد النموذج الأول، الذي يدفعه الشغف ممزوجا بالرسالة في الحياة، قبل دافع كسب العيش، أستاذة الزراعة المعمرة permaculture الاسترالية، روزماري مورو Rosemary Morrow المؤسس المشارك لمعهد بلو ماونتن للزراعة المعمرة، والحائزة على جائزة الأفضلية العالمية – الأسترالية – للأغذية والزراعة لعام 2017، والتي وهبت نفسها لتعليم الناس في بلدان العالم التي عانت من كوارث كبيرة مثل الحرب والإيدز والانهيار المدني، من أجل استعادة الغذاء والهوية والمناظر الطبيعية والثقة من خلال استخدام الزراعة المعمرة كوسيلة. والتي عبرت عن سعادتها ودهشتها من حصولها على الجائزة قائلة في الحوار المنشور معها على موقع معهد لوماونتن قائلة: “لقد كانت جائزة غير متوقعة تماما وأنا ما زلت مندهشة، و(هذه الجائزة) تعني أنني أستطيع مضاعفة الوقت والمكان لأولئك البشر الذين لا يُسمع صوتهم في كثير من الأحيان، والذين قضيت معهم الكثير من حياتي”.

نشأت روزماري في بيرث بغرب أستراليا، في أسرة بها أربعة أطفال، وكما تصف فقد كانت طفولتها في بيرث هي وقت الحرية العظيمة لها، حيث اللعب من الصباح الباكر حتى وقت متأخر ولم يكن أحد بحاجة إلى معرفة أين كنا، إلى أن غادرت الأسرة بيرث إلى سيدني عندما كان روزماري في حوالي الحادية عشرة من عمرها، وعندما كانت الطفلة روز كانت قد قضت وقتها بين التعلم الرسمي غير الرسمي بين أحضان الطبيعة وفي محطات الماشية والحقول، والتعليم الرسمي في المدرسة، ثم في جامعة سيدني حيث حصلت على منحة الكومنولث لدراسة العلوم الزراعية.

بعد التخرج، كانت مهمة العمل التي تولتها في وزارة الصناعات الأولية في جنوب شرق كوينزلاند محبطة، فلم تفهم ما هي سياستهم بالضبط؟ هل كانت هناك للحفاظ على الزراعة الصغيرة قابلة للحياة ومثمرة، أم كانت سياستهم هي نقل المزارعين؟ كانت تحب المزارع الصغيرة والمزارعين ببضع مئات من الأفدنة الذين يعيشون حياة تقليدية. والتي كان مقدر لها أن تختفي من خلال ابتلاعها من قبل الشركات الكبرى، وضواحي المدن أو التنمية الساحلية. بعد ذلك بكثير، وبعد دراستها لنمط المزارع الصغيرة في فرنسا وفيتنام، أدركت روز أن كل بلد يحتاج إلى منطقة خلفية مزروعة بمزارع صغيرة مختلطة حول مدنه، من أجل طعام تلك المدن، بفخر أصحاب تلك المزارع بمنتجاتهم وثقافتهم. وهذا النمط كما ترى، هو أكثر إلحاحًا الآن.

وبعد أن أمضت الوقت في منح دراسية لدراسة علم الاجتماع الريفي في جامعة السوربون، ثم في جامعة ريدنج في المملكة المتحدة. ثم تلقت دعوة من مايكل يونغ من الجامعة المفتوحة للعمل في أفريقيا. وعندما ذهبت للعمل في ليسوتو، كانت عدم قدرتها على استخدام تدريبها الزراعي بجامعة سيدني بمثابة صدمة كبيرة لها. لم تكن قد قامت بتنمية الشتلات أو الخضراوات ولم يكن لديها أي أجوبة للتعامل مع تآكل التربة والجوع. “كنت عديمة الفائدة من الناحية الزراعية وخسرت في بلد ساد فيه سوء التغذية. وبديلاً عن ذلك، عملت في مجال التعليم غير الرسمي الذي أحببته، في مشروع علمت فيه الأطفال القراءة والكتابة من خلال الألعاب المطبوعة على الأوشحة التقليدية”، حيث كان الأطفال يتجمعون في المساء حول شمعة للدراسة، حتى إذا ذهبوا في وقت لاحق للعمل في المناجم في جنوب أفريقيا، كان بوسعهم قراءة كشوف المرتبات والعقود الخاصة بهم. وفي ليسوتو أيضا، كانت روز قد اختارت أن تعيش بعيدا عن المناطق التي يعيش فيها أصحاب المنازل الكبيرة ذات الأسوار العالية والكلاب، وانضمت إلى المسيرات ضد الفصل العنصري.
وبعد ما يقرب من عقد من مغادرتها أستراليا، عادت لدراسة البستنة في TAFE حيث تعلمت أفكارا حول تصميم المناظر الطبيعية وكذلك كيفية زراعة الشتلات وزراعة الأشجار، وقد روعها تدمير الأدغال الأسترالية التي كانت تحبها بشغف، لذا أضافت إلى ذلك دراسات بيئية. وعندما تعرفت روز إلى الزراعة المعمرة من خلال دورة حضرتها في سيدني لم يكن هناك الكثير الذي كان جديدا بالنسبة لها، لأن الزراعة والبستنة والدراسات البيئية قدمت الكثير من العلوم الطبيعية لها، مع ذلك فإن الربط بين جميع التخصصات والنهج التفاعلي للزراعة المعمرة سحرها، في حين وجدت أن إدخال الأخلاق كان مثيرا للاهتمام، فكما تقول “لم تذكر أي من دراساتي الأخرى الكلمة”. وكما تقول في التقرير المنشور عنها على موقع كواكرز أستراليا: كانت الزراعة المعمرة هي التي ربطت كل ذلك معا بالنسبة لي، كانت هي العلم التطبيقي المتكامل الذي تم تركيبه كما القفاز.

وبعد أن انتمت روز إلى طائفة الكواكرز في عام 1978، وهي طائفة مسيحية بروتستانتية نشأت في منتصف القرن السابع عشر وتؤمن بأن نور الله موجود في داخل كل إنسان، وتاريخيا، كان لهم موقف رافض للمشاركة في الحروب، كما كان لهم الدور الأبرز في إصدار قانون إلغاء العبودية في بريطانيا في القرن التاسع عشر، ويلتزمون بالامتناع عن الكحوليات، أدركت روز منذ انتمائها للكواكرز أن هناك توازناً بين مبادئ الكواكيرية والزراعة المعمرة، من خلال القواسم المشتركة من رعاية الناس، والبساطة، والمجتمع، والاستخدام الأخلاقي للمال، وسبل العيش الصحيحة. كلاهما يقدم نتائج إيجابية لا نهائية عندما يمارس.

في البداية لم تكن متأكدة من أن الزراعة المعمرة ستنجح، ومن اشترت منزلًا صغيرًا ليس بعيدًا عن سيدني وأقامت أول حديقة لها – حسب التصميم. وفي وقت لاحق انتقلت إلى بضعة فدادين على حافة كاتومبا ووجدت نفسها مقتنعة بأن الزراعة المعمرة تعمل بالفعل. وخلال هذا الوقت، عُرض عليها العمل في فييتنام وكمبوديا لتدريس أولى دوراتها في تصميم الاستزراع السمكي، وعندما تكون في أستراليا، تقوم بتدريسها محليًا. وترى أن مستقبلها دائمًا كورقة شجرة تذهب بها الريح، إلى أي مكان تتعرض فيه الأرض للإساءة، والناس فيها فقراء للغاية، ويكون فيها طلب على معرفة واستخدامات الزراعة المعمرة.

ففي عام 2009 في وقت إجراء مقاباة موقع كواكرز أستراليا معها، كانت تخطط لأن تكون في ملاوي وزامبيا وأوغندا وإثيوبيا بعد عودتها من تيمور الشرقية حيث كانت تدرس الزراعة المعمرة لمعلمي أكاديمية القهوة في تيمور الشرقية. ويأتي دافع روز للعمل على الزراعة المعمرة من حزنها العميق على تدهور الأرض من الممارسات غير الحكيمة واهتمامها بالناس الذين يعانون من الجوع والفقر في المواقف الصعبة، وفي الغالب في منطاق ما بعد الصراعات، وكذلك تحزن لفقدان الأنواع البيولوجية وانتشار النفايات، نتيجة أفعال البشر.

تعد روزماري مورو الآن واحدة من جدات حركة الزراعة المعمرة، وقد ركزت عملها طوال حياتها في أفغانستان وأوغندا وتيمور الشرقية وجزر سليمان وفيتنام وأماكن أخرى حيث تسبب المرض والحرب والكوارث المناخية في جعل الناس في أمس الحاجة إليها.

وفي خلال مسيرتها الطويلة وفضلا عن برامجها لتعليم الزراعة المعمرة، وضعت روز علمها في عدة كتب منها “دليل مستخدم الأرض إلى الزراعة المعمرة Earth’s User Guide for Permaculture”، و”دليل مستخدم الأرض لتدريس الزراعة المعمرة Earth’s User Guide for Teaching Permaculture”، كما كان لها فضل إعداد الكتاب الإرشادي مفتوح المصدر للزراعة المعمرة Open Source Permaculture Guidebook ويسمى أحيانا الكتاب الإرشادي للزراعة الاستوائية المعمرة. كما أنها مؤلف رئيسي لبرنامج تعليم الزراعة المعمرة للمعلمين (TPT) والذي تضع فيها خبرة أربعة عقود مع الزراعة المعمرة في مناطق العالم.

الأصل في مسيرة الحياة أن تبحث عن هذا المزيج السحري، مزيج الشغف والرسالة، ولتثق بأنك إذا استمررت في التعلم حتى أتقنت وبلغت الإحسان في سبك هذا المزيج، فسوف يسعى كسب العيش خلفك. أما إذا جعلت كسب العيش هو حاديك، وشغفك ورسالتك، فبئست الحياة، وبئس الاختيار.

د. مجدى سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى