المجلةبنك المعلومات

…تاي سوبيل.. من سجين إلى مبادر د. (مجدى سعيد)…

البدايات الجديدة قد تحتاج إلى بيئات جديدة، هذا ما يمكن أن نتعلمه من الحديث النبوي الذي تحدث عن رجل ممن كان قبلنا وقتل 99 نفسا، كما يمكن أن تؤكد لك عليه قصة الشاب الأمريكي ذو الأصول الكمبودية تاي سوبيل Tuy Sobil، والذي تحدثت عنه وعن مبادرته الكثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ووصفته إحداها بـ”البطل”، بعد أن كان سجينا كونه معتاد الإجرام في كاليفورنيا، إلى أن تم ترحيله من الولايات المتحدة بالكلية..
البداية كانت عام 1978 حيث ولد الطفل تاي لأبوين من المزارعين اللاجئين في تايلاند هربا من مذابح الخمير الحمر في بلدهم كمبوديا، وفي عام 1980 استطاعوا أن يجدوا لهم ملاذا في الولايات المتحدة، وتحديدا في لوس أنجيلوس بولاية كاليفورنيا، ولأن الوالدين لم يكونا من ذوي المؤهلات أو المهارات عالية الأجر، لم يستطيعا استكمال إجراءات طلب الجنسية الأمريكية، وإن كانا قد حصلا على إقامة شرعية بها، ومثل بعض الأطفال من المهاجرين الفقراء، تجول تاي في شوارع الأحياء الفقيرة بالمدينة، حيث أصبح عضوا في عصابة كريبس Crips وهو في الثالثة عشرة كما أصبح بطلا في رقص الشوارع المعروف باسم “البريك دانسنج Break-Dancing”.

إلى أن تم اعتقاله بتهمة السطو المسلح في سن الثامنة عشرة، واكتشف حينها أنه ليس مواطنا أمريكيا بحسب الأوراق القانونية، وبعد قضاء عامين في سجن تافت في كاليفورنيا وثلاث سنوات أخرى في مركز احتجاز المهاجرين، قامت الولايات المتحدة بترحيله إلى كمبوديا في عام 2004.
لم يكن ترحيل تاي حالة فردية، وإنما كان في إطار سياسة اتبعتها الولايات المتحدة ضد المهاجرين الذين لم يحصلوا على الجنسية فضلا عن المهاجرين غير الشرعيين، ففي عام 1996 أقر الكونجرس الأمريكي قانون إصلاح أوضاع الهجرة غير الشرعية ومسئولية المهاجرين، والذي ينص على أنه يمكن ترحيل أي مواطن غير مقيم في الولايات المتحدة إذا أدين بجناية مشددة.

ومن ثم فمن عام 1997 إلى عام 2005 ، تم ترحيل حوالي 675 ألف من غير المواطنين بسبب جرائمهم بموجب القانون، وفقا لوزارة الأمن الداخلي. وبعد أن كانت كمبوديا ترفض استقال المرحلين على مدى 6 أعوام، تم تهديدها من قبل الولايات المتحدة، ومن ثم بدأت منذ عام 2002 في استقبال المرحلين.
عندما تم ترحيل تاي لم يكن قد سبق له أن وضع قدمه في كمبوديا، ولم يكن يستطع التحدث باللغة المحلية “الخميرية”، وكان قد ترك وراءه ابنا – فضلا عن والديه – في كاليفورنيا.

يقول عن ذلك: “عندما جئت لأول مرة هنا كنت خائفا” “فلم لدي هنا أي شخص أعرفه”. ومن ثم اختار تاي أن يتطوع ليكون جزءًا من موظفي التوعية في كورسانج، وهي منظمة غير حكومية محلية عمل بها نحو ربع المبعدين الكمبوديين الأمريكيين، حيث بدأ تاي من خلالها في زيارة الأحياء الفقيرة في العاصمة الكمبودية “بنوم بنه” لتثقيف الكمبوديين حول تعاطي المخدرات وفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز.

وعندما انتشر خبر أنه كان في السابق بطلا في رقص الشوارع (البريك داسنج) في الولايات المتحدة، ظلت مجموعة من الأطفال الذين كان يعمل معهم تسأله أن يعطيها دروسا في فنيات ذلك الرقص، إلى أن جاءت المجموعة إلى منزله لمزيد من الضغط والإلحاح عليه، ومن ثم قرر أن يجرب الأمر، وهكذا بدأ مبادرته المعروفة باسم النغمات الصغيرة أو Tiny Toones عام 2005.
من فصل لتعليم رقص الشوارع وثقافة الهيب هوب، إلى مدرسة يأتي إليها مئات الأطفال المعرضون للخطر من الشوارع والأحياء الفقيرة كل يوم ليتعلموا عبر أربعة برامج الرقص، والموسيقى، واللغة الإنجليزية، ولغة الخمير (اللغة الكمبودية) والكمبيوتر، وليتمتعوا بحرية أن يكونوا أطفالا.

ويعود الفضل في ذلك إلى رؤية تاي والتزامه بإيجاد هذه البيئة الآمنة، حيث يمكن للأطفال الاستمتاع بالتعلم واستكشاف إبداعاتهم وتطوير شعور إيجابي بالهوية والمجتمع يحميهم من الانخراط في الأنشطة الإجرامية التي سبق وعاشها في طفولته، ويمكنهم من بناء ثقتهم بأنفسهم في حياتهم اليومية، ويشعرهم أنهم مدعومين في اتباع أهدافهم وتحقيق أهدافهم وفي الحصول على فرص عمل أفضل.

وعلى مدار تلك السنوات العشر قدم بعض هؤلاء الأطفال عروضا دولية في رقص الشوارع من أستراليا شرقا إلى إيطاليا غربا، حتى أن تاي نفسه والأطفال قد قدموا عرضا عام 2008 أمام الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في هونج كونج، وهو نفس الرئيس الذي وقع القانون الذي تم بمقتضاه ترحيل تاي سوبيل وآخرين.

د. مجدى سعيد

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى