المجلةبنك المعلومات

الفهم الخاطئ للإسلام…رؤية بوسنوية

الفهم الخاطئ للإسلام…رؤية بوسنوية

 

 

الفهم الخاطئ للإسلام...رؤية بوسنوية

 

  • تأليف : أسعد دوراكوفيتش
  • سرايفوا دار توغرا
  • ترجمة و عرض محمد م. الارناؤوط عن العربي الجديد

يُذكّر كتاب الأكاديمي البوسنوي أسعد دوراكوفيتش “الحروب الحالية بين المسلمين: الفهم الخاطئ للإسلام”، بالكتاب الذي صدر في بيروت عام 2002 للمفكر الإيراني عبد الكريم سروش بعنوان “القبض والبسط في الشريعة”. فسروش، واسمه الحقيقي حسن حاجي فرج الدباغ، أحدث فرقاً في ايران بكتاباته التي ألّحت على التمييز بين الدين ومعرفة البشرله، حيث إنه يعتبر المعرفة الدينية ظاهرة بشرية، أي متغيّرة ونسبيّة، تعبّر في الأساس عن السياق الاجتماعي الذي تظهر فيه.

وإذا أخذنا الكتاب الصادر في سراييفو لدوراكوفيتش، والذي يعمل أستاذاً في قسم الدراسات الشرقية بجامعة سراييفو، لوجدنا أن العنوان يشير بوضوح إلى العلاقة بين “الفهم الخاطئ للإسلام” وبين “الحروب الحالية بين المسلمين”، ولكن مع الفارق الزمني بين الكتابين ودلالة ذلك. فإذا كان الخلاف حول فهم الإسلام تناوله سروش ضمن محيط علاقة الإسلام بالديمقراطية والنظام الأمثل في إيران بعد “الثورة الإسلامية”، فإن الخلاف حول فهم الإسلام في السنوات الأخيرة أثمر حروباً ومجازر غير مسبوقة بين المسلمين، وهي ما دفعت دوراكوفيتش إلى الخروج عن اهتماماته الأكاديمية المعروفة بالأدب العربي ليتناول ذلك في كتاب يتوجّه فيه إلى المسلمين في البوسنة والعالم ليتساءل فيه، كيف يرتدّ فهم الإسلام الآن ضد الإسلام نفسه بسبب الممارسات التي يدّعيها الأوصياء على فهم هذا الدين؟

ينطلق دوراكوفيتش في المقدمة من الاعتراف المرّ بأن عالم المسلمين اليوم في أزمة تبدو مصيرية، وهو يستخدم بوعي مصطلح “عالم المسلمين” عوضاً عن “العالم الإسلامي”. ففي “عالم المسلمين” الذي يشكّل فيه المسلمون غالبية السكان، نجد بأنه “أصبح في صراع مع الإسلام نفسه”، وذلك نتيجة للفهم المختلف للدين بين الجماعات المتصارعة، حيث بتنا نشهد بأن المسلم يقتل أخاه المسلم وهو يصيح “الله أكبر”!

في تحليله لما أوصل المسلمين إلى هذه الحالة، والتي جاءت نتيجة الصراع بسبب الدين الإسلامي نفسه، يسلّم دوراكوفيتش بدور العامل الخارجي الذي يتمثل في الغرب والصهيونية. فبعد سقوط الشيوعية وجّه الغرب أدواته الأيديولوجية ومقدراته العسكرية ضد الإسلام وعالم المسلمين باعتباره “العدو الرئيسي على مستوى العالم”. وفي هذا السياق أشاع الغرب الفوضى في الشرق الأوسط كونها تصبّ في مصلحة السياسة الصهيونية حتى عندما لا يبدو ذلك للوهلة الأولى. فـ”الهدف الاستراتيجي للصهيونية هو زعزعة بلاد المسلمين في ذلك الإقليم وإضعاف تلك البلدان على المدى الطويل، بينما تقوم الشركات الغربية بتحقيق أرباحها”، ولذلك “فإن الغرب والصهيونية هما اللاعبان الأساسيان في إحداث الفوضى في الشرق الأوسط”.

ومع تسليمه بدور الغرب فيما يحدث في “عالم المسلمين” إلا أن المؤلف ينتقد نزعة المسلمين في تحميله مسؤولية كل ما يحدث في بلادهم لأن “تذنيب الغرب فقط ينمّ عن خطأ استراتيجي كبير، حيث إنه يغفل دور المسلمين أنفسهم في ما يحصل”. ومن هنا يصل المؤلف إلى أن هدفه من الكتاب هو دعوة المسلمين لإعادة النظر في علاقتهم ببعضهم البعض، وبالتحديد أن يراجعوا “وعيهم المسلم” أو فهمهم للإسلام.

يوجز الكتاب صورة “عالم المسلمين” مع التركيز على ما حدث في مصر وليبيا وسورية والعراق واليمن، حيث يتم تدمير الدول والمجتمعات، وصولاً إلى ظهور داعش والدور الإيراني المتمدّد. في ما يتعلق بمصر، والتي كانت أقوى دولة عربية كما يقول، يلاحظ المؤلف كيف أن الربيع الديموقراطي السريع الذي تمخّض عن انتخاب الرئيس محمد مرسي، انتهى بانقلاب عسكري حتى تنشغل مصر بالحرب في الداخل بعدما كان جيشها قد حافظ على نفسه للقتال مع العدو الخارجي. وفي المقابل، كيف أن ايران أصبحت الآن تحارب في جبهات خارجية تمتد من العراق إلى سورية ولبنان ووصولاً إلى اليمن وربما في ساحات أخرى لاحقاً.

هذه الحصيلة السريعة في “عالم المسلمين” اليوم يعتبرها المؤلف كنتيجة لتأجيج الحروب الدينية بين المسلمين، والتي يشارك فيها “المايسترو” (إشارة إلى العامل الخارجي)، حيث يتحوّل التباين في فهم الإسلام بين السُنّة (وبالتحديد السلفية) والشيعة بالتدريج إلى صراع سياسي بين محورين يحاول كل منهما أن يفرض صحة فهمه وموقفه سواء في الشرق الأوسط أو على مستوى “عالم المسلمين”، بما في ذلك البوسنة التي تحولت إلى ساحة من ساحات هذا الصراع. وفي هذا السياق يعتبر المؤلف أن الحروب الدينية هي أسوأ أنواع الحروب فكل طرف يعتقد أنه يمثل الفهم الصحيح للإسلام، ولأجل ذلك فهو يقتل الآخر (المسلم) معتقداً بأنه سيفوز بلقب “الشهيد” والتنعّم بالجنة.

يعود المؤلف لدور “االمايسترو” مجدداً، ويروي أن حقيقة تراخي الغرب الآن مع إيران ورفع العقوبات عنها ليس مصادفة، ويؤكد أن ذلك سيقوي قدراتها ويطلق طاقاتها في المنطقة والعالم. فالنتيجة المتوقعة من ذلك (إثارة الطرف الآخر في المنطقة) أصبحت واضحة في الحرب الدائرة في اليمن، ولذلك فإن السيناريو الذي يسمح لإيران بتقوية دورها في العالم يريد فقط أن يغرق المنطقة في صراع متواصل بين الفهمين المختلفين للإسلام (السلفي والشيعي بحسب المؤلف) بشرط ألا يكسب أي طرف المواجهة بشكل حاسم.

يتوقف المؤلف في فصل “اغتصاب حق الله وتسطيح فهم الإسلام” عند ظاهرة التكفير لدى السلفية وتطورها أو استغلالها (من جانب المايسترو الخبير في تاريخ المسلمين ونقاط ضعفهم) لظهور فهم متشدد للإسلام يغتصب حق الله في اعتبار من هو مسلم ومن هو غير مسلم. وهكذا تكمن، بحسب المؤلف، فظاعة تكفير المسلمين في قتل من ينطق بالشهادتين بينما لا يعتبر اليهود والنصارى من الكفار بل من أهل الكتاب أو من أهل الذمة. ويتمثل الدور الخارجي في حالة البوسنة، والتي يسودها إسلام معتدل منذ قرون، في استقطاب شباب للدراسة في بعض الجامعات العربية (ذات المنهج السلفي) حيث يعودون بفهم متشدد للإسلام يوصلهم إلى رفض أو تكفير آبائهم، وهو ما أدى في بعض الحالات إلى نتائج مأساوية.

وفيما يتعلق بالبوسنة وغيرها من الأطراف يتوقف المؤلف في الفصل السادس عند “سيقنة” أو “تبيئة” الإسلام، أو الثابت والمتحول في الإسلام. فالمؤلف يميز بين الثابت (العقيدة) والمتحول (العرف) في البيئات المختلفة التي انتشر فيها الإسلام من جنوب شرق آسيا إلى قلب أوروبا (البوسنة)، وهو يرى عظمة الإسلام في السابق كما عُرف بكونه ديناً يتقبّل “السيقنة” (التكيّف مع السياق المحلي) أو “التبيئة” (التكيّف مع البيئة المحلية) باستثناء العقيدة بطبيعة الحال، وهو ما جعله صالحاً لكل زمان ومكان.

كذلك يتساءل المؤلف ما الذي جعل الإسلام ينتشر وتتجلى حضارته في العصرين الأموي والعباسي، وما الذي تغيّر بعد ذلك حتى أوصل المسلمين الآن إلى مثل هذه الحالة؟ وفي محاولة الإجابة على ذلك يعود دوراكوفيتش إلى المفهوم السلفي لـ”البدعة” الذي حدّ من الإبداع وأدى إلى الجمود، وإلى مفهوم “التكفير” الذي حدّ من حرية المسلمين في التعبير عن آرائهم.

ويرتبط بهذا أيضاً ما ورد لاحقاً في الكتاب عن “الأوهام حول نهضة المسلمين”. فالحديث عن النهضة متواصل منذ قرنين، بعد اكتشاف الخلل الذي أدى إلى تأخر المسلمين وتقدم الآخرين.

ولكن الحديث عن النهضة في حدّ ذاته لا يكفي وإنما يؤدي الفهم الخاطئ لها إلى أزمة أكبر. ومن ذلك فإن الحديث عن الربيع العربي الذي تحمس له البعض باعتباره مدخلاً إلى نهوض العرب واستعادة مكانتهم السابقة في العالم كانت نتيجته تدمير بعض الدول والمجتمعات باسم الربيع العربي.

في الفصل الأخير “مسؤولية العلماء ودورهم في التضليل” يعتبر دوراكوفيتش أن الجنود هم أقل من يتحمّل المسؤولية في الحروب، لأن المسؤولية الكبرى تقع على القادة والمنظّرين والسياسيين وأصحاب المصالح. أما في “عالم المسلمين” فالمسؤولية الكبرى تقع على العلماء لأن الحرب الدائرة الآن تجري باسم الإسلام، فهم الذين يصادقون أو يجعلون أتباعهم يصدّقون أن ذلك كلّه باسم الاسلام. ومن هنا يحمّل المؤلف العلماء، ومنهم الخطباء، مسؤولية ما يقولونه في المنابر، حيث يأخذ المؤلف على الخطب في المنابر أنها أصبحت مملة ولا صلة لها بالحياة. ويعتبر المؤلف أن سبب ذلك هو ظروف تكوين هؤلاء العلماء في الكليات والجامعات الإسلامية، والتي تحمل اسماً فضفاضاً ولا تميّز بين المعرفة المتعلقة بالآلام والمعرفة الإسلامية نفسها.

مع هذا الانغلاق المذهبي والطائفي في “عالم المسلمين” ينتهي دوراكوفيتش بأسى إلى أن فكرة الحداثة وعالمية الإسلام تصبح غير مهمة. وبدلاً من ذلك هناك من يوهم المسلمين المتصارعين في كل طرف باقتراب اللحظة التي سينتصر فيها على الآخر، أي على المسلم الذي لا يقبل بفرض الفهم الآخر للإسلام. وبهذا ينهي دوراكوفيتش كتابه بهذه الجملة الحزينة عن الحروب الحالية بين المسلمين: “إنهم يعتقدون بأنهم مع هذه الحروب ينتصر الإسلام، ولكنهم لا يعرفون أنهم بقتال بعضهم البعض إنما يصارعون الإسلام ذاته”.

أخيراً يمكن القول إن هذا الكتاب يمثل معاناة مثقف بوسنوي معروف (عضو الأكاديمية البوسنوية وعضو مجمع اللغة العربية في دمشق ومجمع اللغة العربية بالقاهرة) ارتبط منذ نصف قرن ونيف مع العرب ولغتهم وثقافتهم وطموحاتهم، وقد هاله ما يحدث الآن في بلاد العرب و”عالم المسلمين”، فحاول في هذا الكتاب أن يعبّر عن خلاصة تجربته وفهمه لما يحدث هناك. صحيح أن الكتاب استُقبل جيداً في البوسنة، حيث تناولته الصحف والمجلات كإسهام يفيد في فهم ما يحدث في عالم العرب والمسلمين، إلا أنه من الواضح أنه كُتب بسرعة تحت ضغط الأحداث والرأي العام، والذي يسعى لفهم ما يحدث مع “الأخوة المسلمين”، ولذلك إن ما انتهى اليه المؤلف في تموز/ يوليو 2015 قد يستطيع العمل عليه أكثر في الطبعة الجديدة للكتاب في 2016. صحيح أنه لدينا إشارات إلى البوسنة هنا وهناك في الكتاب، لكن ما ينقصنا حقاً هو توضيح تجربة الإسلام والمسلمين في البوسنة في العلاقة بين الدين والدولة، وهي المسألة المركزية التي تحتاج إلى توافق بين قادة وعلماء المسلمين للخروج من حالات “خطف” الإسلام وتسييسه وفق الأجندة المحلية والإقليمية والدولية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى