بنك المعلوماتالمجلة

حقوق الفيروسات

الفيروسات : قبل عشرين عاما تقريبا حدث نزاع بين فرنسا وأمريكا حول أسبقية وحق امتلاك فيروس الإيدز .. وفيما كان الإيدز يعصف بأفريقيا والعالم استمر النزاع طويلا بين الدولتين حتى اتفق الطرفان وديا على تقاسم شرف (وعوائد) هذا الفيروس مستقبلا …

حقوق الفيروسات ومعاركها

وهذه الأيام فيما نخوض نحن معركة مجهدة ضد أنفلونزا الطيور تخوض المؤسسات العالمية معارك قانونية – مستمرة منذ خمس سنوات – حول أحقية امتلاك فيروس مرض الأنفلونزا .. وهذه المفارقة المضحكة المبكية تذكرنا بما حصل مع مرض الالتهاب الرئوي الحاد (أو سارس) قبل سنوات قليلة مضت ؛ فبعد أيام قليلة من اكتشاف أول مريض في هونج كونج سعت جهات عديدة للبحث عن فيروس المرض وتسجيله باسمها .. فمركز السرطان في كولومبيا البريطانية أعلن عن نجاحه في تحديد هوية الفيروس بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان منظمة الصحة العالمية عن ظهور المرض. وفور اكتشاف الفيروس (من خلال مريض قادم من تورينتو) قام المركز بتسجيله كملكية خاصة في مكتب الاختراعات الأمريكي . غير أن “مؤسسة الصحة العامة” في هونج كونج تدعي أنها صاحبة هذا الحق وأول من وضع خريطة وراثية لفيروس المرض حال ظهوره لديها !!

المشكلة أن طبيعة الفيروس (كمسبب للمرض) تصعب مهمة تصنيفه ك”اكتشاف” أم “اختراع”؛ فالاختراع يمكن تسجيله واحتكاره ومنع الآخرين من تقليده، أما الاكتشاف فيصعب تسجيله أو منع الناس من تكراره والاستفادة منه. وحين تدعي جهة ما أنها صاحبة الحق في فيروس انفلونزا الطيور أو سارس فهذا يعني قانونيا قدرتها على منع الآخرين من العمل عليه واحتكار أي علاج ضده!

والمسألة تتعلق في المقام الأول بحقوق تصنيع الدواء واحتكار أسواق الدول التي تعاني من المشكلة.. ورغم أن فكرة الاحتكار التجاري واضحة وممكنة فيما يتعلق بالاختراعات المادية (كاختراع محرك جديد أو تطوير شريحة إلكترونية) تبقى المشكلة في كيفية احتكار الاكتشافات العلمية أو الفكرية البحتة مثل احتكار معادلة رياضية جديدة او منع الآخرين من علاج فيروس الإيدز أو انفلونزا الطيور أو استعمال طريقة مختلفة لتهجين النباتات!!

.. ومع هذا كانت أمريكا أول من كسرت هذا المفهوم وأصدرت (بدءا من الثمانينات) تشريعات محلية تحفظ حقوقها في الاكتشافات الطبية والبيولوجية. فحين ظهرت الهندسة الوراثية كعلم جديد اهتم العلماء برسم خرائط للمورثات، وتركيب عقاقير جديدة، وتعديل النباتات والحيوانات … وفي البداية اعتبرت هذه المحاولات من قبيل اكتشاف معادلة رياضية أو إبداع تركيبة أدبية ولم يفكر أحد باحتكار ملكيتها . إلا أن الصناعات الدوائية الضخمة التي تولدت عن العقاقير المهندسة، والأسواق الواعدة للمنتجات الوراثية ؛ جعل من الضروري وضع تشريعات تحفظ حقوقا كهذه . وكان فأر هارفارد (الذي حقن في الثمانينات بجينات معدلة لمكافحة السرطان ) أول حيوان تجارب يعتمد كملكية فكرية من هذا النوع . أما آخر الاحتكارات المهمة فحققته أمريكا قبل بضعة أعوام حين أنجزت مايسمى “أول خريطة وراثية للإنسان..” هذه الخريطة التي تنطبق على كل إنسان على سطح الأرض ولكن الاستفادة منها (حسب قوانين العم سام) أصبحت حكرا على الأمريكان وحدهم!

فهد عامر الأحمدي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى