المجلةبنك المعلومات

العلاج بالقرآن هل يغني عن الطب الحديث؟

لقد حظي العلاج بالقرآن الكريم بقبول شعبي يجعله الوسيلة المفضلة للشفاء من الأمراض النفسية والعضوية معا لدى ما يقرب من 70 % من الناس في الوطن العربي خاصة في منطقة الخليج؛ حيث يشكل العلاج بالقرآن ظاهرة متعددة الأوجه بهذه الدول، الأمر الذي جعل كثيرا ممن يمارسون العلاج بالقرآن ينزحون إليها بحثا عن المال، بعد أن اتخذوا من القرآن الكريم وسيلة للتربح مستغلين في ذلك قدسية القرآن عند المريض، خاصة بعد أن اختطلت النصوص الدينية الصحيحة عن الجن والسحر والحسد بكثير من التفسيرات والاجتهادات والممارسات الشعبية..

المؤيدون:
* العلاج بالقرآن معروف ولا ينكره إلا جاهل!
* العقم والسحر والأمراض النفسية خير دليل علمي لنجاح العلاج بالقرآن.

المعارضون:
* القرآن مهدئ عام ولا غنى عن الطب الحديث.
* القرآن كتاب هداية وليس كتاب طب.
* من يتبركون بالقرآن يحولوه إلى وسيلة علاجية.

حوار: أيمن درويش

 

وخلق هذا الأمر نوعا من الجدل بين علماء الدين، وبين أصحاب المنهج العلمي والطبي المتمثل في بعض الأطباء الذي يعملون بقاعدة “لكل داء دواء”، ويرفضون أن يكون القرآن وسيلة.

ومن هؤلاء الأستاذ الدكتور “حسين الطرب” رئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب  بجامعة جنوب الوادي المصرية، والذي سألناه عن رأيه في مسألة العلاج بالقرآن فأجاب ..
* نحن لا ننكر أن للقرآن الكريم دورا في راحة المريض النفسية، ولكن هذا لا يعني أنه علاج لكافة الأمراض، فإن الله تعالى خلق لكل داء دواء، وهذا يعني أنه كما تنوعت العلل وتعددت الأمراض تنوع الدواء أيضا.

* ثبت بالتجارب أن القرآن الكريم كان سببا في شفاء العديد من الأمراض فما رأيكم ..؟!
* نعم يستطيع القرآن الكريم أن ينجح في إزالة بعض العلل، مثل تلك التي تتعلق بأعمال السحر والحسد، ولكن لا ينجح في شفاء الأمراض العضوية.. فهل إذا أصيب الإنسان بمرض القلب أو السرطان مثلا، علينا أن نعرضه على معالج بالقرآن ؟! هذا درب من دروب التواكل .. لأنه ثبت من خلال السنة النبوية أن الرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم” شرع الدواء والطب وأمر المسلمين بالتداوي والذهاب إلى الأطباء، وذلك واضح جدا عندما تداوى صلى الله عليه وسلم على يد “الحارث بن كلدة” وكان طبيبا مشركا ولكنه مشهور بالمهارة في مهنته، بل أمر الصحابة أن يذهبوا إليه.. وهذا القصة تؤكد أنه ليس للقرآن دخل في مسألة علاج الأمراض العضوية، وإلا كان النبي محمد من باب أولى، أمر صحابته بعدم الذهاب إلى الأطباء والتداوي بالقرآن فقط.

* انتشرت في بعض البلدان العربية ما يسمى بمراكز العلاج بالقرآن .. فما تعليقكم على هذه الظاهرة وأصحاب هذه المراكز ؟
* يجب أن يعلم الجميع في المقام الأول أن القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاب طب، حتى وإن احتوى على إشارات وأصول بعض العلوم.. لو علم الناس هذا ما انتشرت هذه المراكز وما استطاع أصحابها الإيقاع بالمرضى؛ فنحن لا ننكر أن هناك معالجين يلتزمون بالأمانة مع المرضى؛ حيث يوضح لهم نوعية الأمراض التي يتم شفاؤها بالقرآن، لكننا في الوقت نفسه ندين الممارسات غير الأخلاقية التي يقوم بها غير المتخصصين في التعامل مع المرضى واستغلالهم لقدسية القرآن في التغرير بالبسطاء تحت دعوى العلاج بكتاب الله.

هناك من يتخذ  قوله تعالى “يأيها الناس قد جائكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور” دليلا على مقدرة القرآن في علاج أمراض القلب.. فما رأيكم؟
* المتربحون من العلاج بالقرآن هم الذي يدعمون مثل هذا الرأي من التفسيرات.. ولكن معنى الشفاء في الآية الكريمة أن القرآن هو شفاء لما في الصدور من الشك والحيرة وما فيها من الهم والحزن والخوف والقلق، لذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءه المشهور” اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي .. ” وكل هذه الأمور معنوية وليست مادية، أي لا تتعلق بالجسد والأعضاء.

* وماذ نقول لأصحاب هذا التفسير؟
* أنا أخشى بل وأحذر من أن يحول هؤلاء القرآن إلى وسيلة علاجية؛ فيُسبتعد من جوهر حياتنا ككتاب مقدس، يشكل محور تفكيرنا وسلوكنا الفردي والجماعي.

وهناك على الجانب الآخر علماء الدين الذين يرون في القرآن شفاء لكثير من الأمراض، بل ويؤيدون فكرة مراكز العلاج وأجازوا اتخاذ أجر على العلاج بالقرآن، ومن هؤلاء الأستاذ الدكتور حمزة الصعيدي أستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر، وكان لنا معه هذا الحوار حول تلك القضية.

في البداية سألناه .. هل هناك آيات معينة للعلاج بالقرآن؟
* القرآن الكريم كله شفاء ورحمة للمؤمنين، وهناك العديد من الآيات الدالة على ذلك ومنها قوله تعالى “ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد” ( فصلت 44).

وقوله أيضا “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين” (الإسراء 82) ومن هذه الآيات نستطيع أن نؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن للقرآن دورا كبيرا في شفاء الأمراض.

* هل هناك علاج للإحباط في القرآن ؟ وهل يجوز تناول أدوية حديثة لتخفيضه؟
* القرآن الكريم كما جاء في الآيات السابقة شفاء ورحمة..ولكن ينبغي علينا أن نعلم أن الله تعالى نهى عن القنوط واليأس، وذلك واضح في قوله تعالى “يأيها الذي أمنوا لا تقنطوا من رحمة الله” والإحباط له أسباب، وعلاجه لا يكون إلا من خلال سنة الله تعالى وقوانينه وأهمها الصبر على البلاء لأنه من عند الله.

* هل هناك معايير للتفرقة بين المشعوذ والدجال والمعالج بالقرآن؟
* بالطبع هناك فرق شديد بين المعالج بالقرآن والدجال .. فالمعالج بالقرآن يستعين بالله وكتابه والتضرع والدعاء..أما الدجال فهو يستعين بالشيطان وبعض التعويذات التي نهى عنها الشرع.

* ما رأيكم في مسألة العلاج بأجر؟ وهل يجوز للمعالج أن يغالي في أجره؟
* إن ثبت أن المعالج بالقرآن أو الرقية الشرعية لا يتعامل مع الجن ولا يستعين بهم ولا يتجاوز في رقيته للمرضى ما أجازه الكتاب والسنة فلا بأس في ذلك، وإن أعطي أجر فهذا جائز وذلك استنادا لما روي عن أبي داوود والترمذي، أن بعضا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا على حي من أحياء العرب، فلم يضيفوهم وبينما هم كذلك لُدغ زعيم الحي، فقالوا للصحابة هل معكم من دواء أو رقية؟، فقالوا إنكم لم تضيفونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا، فجعلوا لهم قطيعا من الشياه، فراح أحد الصحابة يقرأ آيات من القرآن فبرأ الرجل وجاءوا بالشياه وقبل أن يأخذها الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال “وما أدراك أنها رقية .. خذوها واضربوا لي سهما معكم”  وهذا دليل على جواز اتخاذ أجر على الرقية والعلاج بالقرآن، لكن على المعالج أن لا يحدد هذا الأجر ولا يغالي فيه.

* هل هناك شروط يجب أن تتوافر في المعالج بالقرآن؟
* المعالج بالقرآن الكريم لابد أن تتوافر فيه بعض الأمور، مثل الطهارة وأن يكون حافظا لكتاب لله وعلى دراية بآيات العلاج والرقية، وأن يكون مشهودا له بالتقوى والورع، كما يشترط في المعالج قبل دخول جلسة العلاج أن يكون على وضوء ولا يضر إذا صلى ركعتين تطوعا لله.

* كيف يتم العلاج بالقرآن ..؟ وماهي أكثر الأمراض شفاء به؟
* يبدأ المعالج بأن يستمع إلى المريض ثم يقوم بتلاوة بعض آيات القرآن، والتي دائما ما تستهل بفاتحة الكتاب والمعوذتين وبعض آيات سورة البقرة.. أما نوعية الأمراض التي تعالج بالقرآن، فقد أثبت كتاب الله نجاحا عظيما في علاج بعض الأمراض سواء النفسية أو العضوية وعلاج العقم وذلك وارد في آيات سورة يس والصافات والبقرة .. كما أن آيات إبطال السحر تعتبر علاجا فعالا لبعض الحالات كعلاج المربوط، سواء كان هذا الربط ناتجا عن أعمال سحر أو حالة نفسية؛ فالقرآن قادر بعون الله أن يعيد من يقع في هذا إلى طبيعته، وذلك مصداقا لقوله تعالى “مَا جِئْتُمْ بِهِ السّحْرُ إِنّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى