المجلةبنك المعلومات

كنز العرب المفقود استثمار العرب في الزراعة العالمية!

“من لم يكن قوته من فأسه فلن يكون كلامه من رأسه”.. مثل فحواه أن يملك الإنسان قوته وطعامه حتى يملك كلمته، ويتحكم في إرادته.. فهل يملك العالم العربي قوته؟
يعاني الوطن العربي من فجوة غذائية تتراوح ما بين 11 و13 مليار دولار بما يعنيه ذلك من تبعية سياسية لموردي الغذاء، وارتهان إرادة الدول العربية لقوى خارجية تمتص دم الشعوب العربية، وتستنزف أموالهم في استيراد الغذاء والسلاح.

ويزيد من أهمية توجيه هذه الأموال للاستثمار التنموي بدء تطبيق اتفاقية “الجات”، وما يترتب عليها من إلغاء دعم منتجي الغذاء، وبالتالي ارتفاع أسعار الواردات الغذائية العربية بما يزيد الأعباء المالية على الدول العربية، لا سيما أن الوطن العربي يحصل على حاجاته الأساسية من الخارج. إذ يستورد العرب 45% من احتياجاتهم من الحبوب، و67% من حجم استهلاك السكر،
بالإضافة إلى 51% من الزيوت، و30% من الألبان، كما تشير إحصاءات عام 2000.

لكن تبقى السودان بما تملكه من موارد هائلة وثروات غير مستغلة كنز العرب المفقود، وطريق الوصول إليه هو التكامل الاقتصادي العربي، خصوصا أن الوطن العربي لم يعد يراوده فقط حلم تحقيق الأمن الغذائي العربي، ولكن فرضت عليه الأحداث الدولية ذلك، خصوصا مع تصاعد بطش دولة القطب الواحد (أمريكا) وانحيازها لإسرائيل.

والأمر ليس مستعصيا، خصوصا مع انخفاض الفجوة الغذائية العربية من 21 مليار دولار في الثمانينيات إلى نحو النصف حاليا، بل يرى “عبد الرحمن السحيباني” – الأمين العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية – أن الدول العربية لديها إمكانية للقضاء على هذه الفجوة بما يتوافر لديها من ثروات هائلة في المجال الزراعي.

ففي افتتاح اجتماع المنظمة العربية للتنمية الزراعية بـ “أبوظبي” في 30-4-2002 أشار السحيباني إلى أن إيلاء الأهمية للقطاع الزراعي سيساهم في معالجة الكثير من المشاكل التي تواجه الدول العربية، مثل: محاربة الفقر، والبطالة التي تتراوح من 10 إلى 20%؛ أي حوالي 18 مليون عاطل.
وأشار إلى أن مقومات تنمية القطاع الزراعي متوافرة في الأراضي الزراعية الشاسعة غير المستقلة والموارد المائية والثروة السمكية والغابات والمراعي والقوة العاملة الكبيرة؛ حيث تبلغ القوة العاملة الزراعية في الوطن العربي 26 مليون عامل من إجمالي القوة العاملة الكلية البالغة 84 مليون عامل، إلا أن المساحة المزروعة تبلغ فقط 65 مليون هكتار عام 2000، ومساهمة القطاع الزراعي في الناتج القومي العربي تعادل80 مليار دولار من إجمالي 705 مليارات دولار.
ولكن الغريب أن النصيب العربي من الاستثمار الزراعي ضعيف بالمقارنة بالاستثمارات العالمية في هذا المجال؛ حيث بلغت حصة الوطن العربي 7.8 مليارات دولار في عام 2000 بنسبة 1% من الاستثمارات العالمية البالغة 780 مليار دولار في مجال الزراعة !!.

64 مليار هكتار للعرب

وقد جاءت دعوة وزير الزراعة السوداني “مجذوب الخليفة” على هامش اجتماعات المنظمة العربية للتنمية الزراعية بأبوظبي في الأسبوع الأول من مايو 2002 للاستثمار العربي في السودان، خصوصا مجال الزراعة؛ لتعيد إحياء الحلم الذي يراود العرب منذ أكثر من ثلاثة عقود بأن يصبح السودان سلة للغذاء العربي.
فالسودان يمتلك -كما يقول الوزير- موارد أرضية هائلة؛ حيث إن مساحة السودان الكلية حوالي 250.5 مليون هكتار، وتبلغ المساحة القابلة للزراعة فيه 84 مليون هكتار، وتقدر المساحة الفعلية المستغلة في الزراعة 19.3 مليون هكتار لعام 2000-2001 -أي ما يوازي ثلث المساحة المزروعة-، وغير المستغلة 64.7 مليون هكتار؛ أي تقريبا تساوي إجمالي مساحة الوطن العربي المزروعة حاليا (65 مليون هكتار).
هذا فضلا عن امتلاك السودان لنحو 24 مليون هكتار مراعيَ، و64 مليون هكتار غابات يمكن أن تستغل في تجارة الخشاب وصناعة الورق، ومواد صناعية أخرى عديدة.

مصادر مياه متعددة

ويزيد من أهمية أرض السودان توافر المياه اللازمة للزراعة؛ حيث يمتلك السودان مصادر مياه متعددة، ولكنه يواجه مشكلة في كفاءة استخدامها. وتتمثل مصادر المياه في السودان في نهر النيل، وأهم روافده النيل الأبيض والنيل الأزرق وعطبرة.
ويبلغ الإيراد السنوي من مياه بحيرة “ناصر” بالنسبة للسودان 18.5 مليار م3 هذا إلى جانب وجود عدد من الأنهار الموسمية التي تمتلئ بالمياه في موسم الأمطار بالسودان، ويبلغ واردها السنوي نحو 6 مليارات م3، وأهم هذه الأنهار نهر “القاش” ونهر “بركة”، وهناك مسطحات مائية بعيدة تقع في حزام الزحف الصحراوي منها وادي الرهد في كردفان.
وتوجد أيضا مصادر للمياه الجوفية توفر مخزونا يقدر بنحو 40 مليارا بتغذية سنوية حوالي 4 مليارات متر مكعب.
وإذا وضعنا في الحسبان غزارة الأمطار بالسودان خاصة في جنوب السودان التي يصل منسوبها لنحو 700 إلى 700 إلى 1500سم مكعب في  السنة وامتداد موسم المطر من شهر إبريل حتى شهر أكتوبر لأدركنا مدى ما يمتلكه السودان من موارد مائية ضخمة. وتقدر مساحة الأراضي في السودان المزروعة بنظام الري المطري بـ 17.4 مليون هكتار مقارنة بـ 1.9 مليون هكتار بنظام الزراعة المروية.
ويضاف لكل هذا وجود تنوع مناخي بالسودان فهو يمتد بين دائرتي عرض 3، 22ْ شمال خط الاستواء ويمتد بين خط الاستواء ومدار السرطان، وبالتالي فهناك تنوع مناخي بين الإقليم الاستوائي والمداري والصحراوي هذا مع وجود قمم ومناطق عالية بالسودان تصلح لزراعة منتجات البحر المتوسط وبالطبع هذا معناه أن هناك مواسم مختلفة لزراعة الخضر والفاكهة فعلى سبيل المثال هناك فاكهة المانجو في السودان طوال العام تقريبا بسبب زراعتها في مناطق مختلفة.

ثروة حيوانية ضخمة

ولأن الثروة الزراعية والحيوانية يكملان بعضهما البعض، فيمتلك السودان أيضا ثروة حيوانية ضخمة جعلته يحتل المركز السادس عالميًا والأول عربيًا من حيث العددية التي تصل لنحو 128 مليون رأس موزعة كما يشير الجدول أمامنا وفقًا لإحصائيات عام 2000 م إلى 37 مليون رأس من الأبقار و38 مليون رأس من الماعز و46 مليون رأس من الأغنام و3 ملايين رأس من الإبل و4 ملايين رأس من الفصيلة الخيلية.
العدد بالمليون رأس (إحصاء عام 2000)    النوع
37    الأبقار
46    الأغنام
38    الماعز
3    الإبل
4    الفصيلة الخيلية
128    المجموع
اقتصاديات وزارة الثروة الحيوانية السودانية     المصدر

احتياطي نفطي هائل

وقد دخل السودان بقوة مجال التنقيب عن البترول، وأصبح يستخرج السودان نحو 240 ألف برميل يوميًا من النفط لديه احتياطي نحو 183.2 مليار برميل يتفوق على احتياطي العراق والكويت وإيران والإمارات وقطر ولا يفوقه سوى احتياطي المملكة السعودية حسب دراسة نشرتها الصحف السودانية.
ووفقا للموجز الإحصائي للتجارة الخارجية السنوي لعام 2000 الذي أصدره بنك السودان فقد سجلت صادرات النفط بمشتقاته الخام البنزين كيروسين الغاز نسبة 75 في المائة من جملة الصادرات بعائد بلغ حوالي 1.350 مليار دولار. وتتوقع مصادر سودانية أن تبلغ العائدات في عام 2002 نحو ثلاثة مليارات دولار.
موارد سلة الغذاء جاهزة
وكل هذه الموارد الضخمة التي يتمتع بها السودان ترجح أن يصبح السودان سلة للغذاء العربي، بل يحقق فائضًا من اللحوم والمواد الغذائية الزراعية للدول الأخرى غير العربية إذا استغلت موارده استغلالاً جيدًا، فكما يقول مجذوب الخليفة -وزير الزراعة السوداني- لا يستغل السودان سوى 15% فقط من أرضه الصالحة للزراعة يحقق منها الاكتفاء الذاتي من الحبوب، وبه فائض للتصدير.
حيث ينتج نحو 6 ملايين طن من الحبوب 75% منها من الذرة والباقي من القمح ولديه فائض للتصدير يقدر بنحو مليون طن من الذرة ، كما ينتج السمسم والفول السوداني وبذرة القطن وعباد الشمس ويصنع محليًا ما يكفي حاجة السكان من الزيوت والباقي يصدر كمواد خام.
وهذا غير تصدير الصمغ العربي (85% من احتياجات العالم منه يستوردها من السودان) وإنتاج نحو 600 ألف طن من السكر يستهلك 500 ألف طن ويصدر نحو 100 ألف طن.

عقبات تعترض الحلم

ولكن هناك عقبات كثيرة تواجه السودان وتعترض طريق تحقيق الحلم بأن يحقق السودان الأمن الغذائي العربي كما يقول السيد عليوة أستاذ السياسة بجامعة حلوان وتتمثل هذه العقبات في عوامل سياسية وثقافية وبيئية واقتصادية كما يلي:
أولاً: العوامل السياسية:
وتتمثل في عدم استقرار نظام الحكم في السودان والحرب الأهلية في جنوب السودان التي أورثها الاستعمار الإنجليزي التي تعوق التنمية خصوصًا في جنوب السودان الغني بموارده، وتعطل الكثير من مشاريع التنمية الزراعية مثل مشروع قناة كونجلي التي كانت ستوفر كمية كبيرة من مياه النيل المهدرة لمصر والسودان التي تضيع في مستنقعات السودان، كما أن الحرب في الجنوب استنزفت الكثير من موارد السودان وأبعدته عن التفكير في التنمية بالإضافة إلى استغلال دول الجوار لهذه الحرب الأهلية في الضغط على الحكومة السودانية بما يشغلها عن التنمية فالاستقرار هو أساس التنمية.
ثانيًا: العوامل الثقافية:
وتتمثل في سيادة الروح القبلية فالسودان به حوالي 600 قبيلة وهذه الروح القبلية تحمل مساوئ كثيرة منها عدم الاهتمام باستخدام التكنولوجيا الحديثة، سواء في الرعي أو الزراعة فرجال القبيلة مثلاً يهتمون بأعداد الحيوانات لا بنوعيتها؛ لأن مركز الرجل في القبيلة يتحدد وفقًا لعدد ما يملكه من حيوانات.
بالإضافة لسيادة شعور لدى السودانيين بأن من يأتي للاستثمار في أرضهم فهو مستعمر يريد أن ينهب خيراتهم.
ثالثًا: عوامل بيئية:
وتتمثل في الطبيعة الجغرافية للسودان وانتشار المستنقعات في مناطق أعالي النيل بالسودان وما يترتب عليها من فقدان كميات هائلة من المياه بالبخر ونظام الرعي المتنقل والحركة مع مواسم الأمطار وما قد يترتب عليها من تذبذب الإنتاج من عام لآخر.
رابعًا: عوامل اقتصادية:
تتمثل في تفتت الملكية الزراعية وعدم توفر البنية الأساسية التي تخدم التنمية الزراعية، فالسودان يفتقر للطرق الممهدة ووسائل المواصلات والآلات الزراعية من ماكينات للري وجرارات وكراكات لشق الترع والمصارف وغيرها.
ويضاف لهذا بالطبع عدم رغبة القوى الدولية الكبرى في استقرار السودان أو نجاح الدول العربية في الاعتماد على نفسها غذائيا – عبر السودان مما يفقدها سلاحا هاما هو سلاح المعونة الاقتصادية.

ما هو الحل؟

كل هذه العوامل وغيرها تشكل عقبات تجعل حلم أن يصبح السودان سلة الغذاء العربي معطلا حتى الآن فما هو الحل إذن إذا أردنا أن نحقق تنمية زراعية في السودان وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي العربي؟
يرى د. محمد عبد العزيز مرسي -أستاذ تربية الحيوان بكلية الزراعة جامعة القاهرة- أن القضية ليست امتلاك السودان لموارد هائلة بل هي استعداد الدول العربية للاستثمار في السودان، فالاستثمارات العربية في الخارج تبلغ ما يتراوح بين 1000، 1200 مليار دولار في حين أن الاستثمار العربي في الزراعة يبلغ 7.8 مليارات دولار أي حوالي 1% من جملة الاستثمارات العالمية في هذا المجال والبالغة 780 مليار دولار، وبالتالي لا بد من تعزيز الترويج للاستثمار في الدول العربية وخاصة في السودان لاستغلال موارده الضخمة.
ويشير إلى مشكلة أخرى هي (المواطن) الذي يحتاج لتنمية وتهيئة لتقبل التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والرعي، والذي يظن أن من يأتي ليستثمر في أرضه هو مستعمر يريد أن ينهب خيراته، ويرى أنه للتغلب على هذه المشكلة يجب أن يقوم المستثمر بتحقيق الأمن الغذائي للسودان أولاً والفائض يتم تصديره فلا يعقل أن يتم تصدير ما ينتج في أراضي السودان والشعب السوداني يعاني من فقر وحاجة للغذاء، فتحقيق الأمن الغذائي للمواطن السوداني تشعره بأن المستثمر جاء ليخدمه هو أولاً، وبالتالي نتغلب على مشكلة الظن لدى السوداني بأن المستثمر جاء ليستعمر السودان.
ويضع د. محمد عبد العزيز تصورًا لكيفية استغلال موارد السودان تتمثل في استغلال العمالة المصرية الكبيرة التي يتم تزويدها بالاستثمارات العربية الكبيرة لتحقيق الأمن الغذائي العربي، مشيرا إلى أن مصر تتوافر بها الإمكانات والخبرات التي لو تم تدعيمها بالأموال العربية لحققت ما ننشده من استغلال لموارد السودان الضخمة وتحقيق الأمن الغذائي العربي.
كما يجب أن نهتم بإنشاء وتطوير البنية الأساسية للسودان وتجميع الجهود العالمية والعربية لحل مشكلة جنوب السودان حتى يتفرغ السودان بمساعدة العرب في استغلال موارده، والحل يكمن في تنمية جنوب السودان لدعم وحدة السودان.
وقد يساعد على ذلك أن جامعة الدول العربية أنشأت بالفعل صندوقًا لتنمية جنوب السودان تكون موارده من مساهمات الدول الأعضاء وتبرعات الصناديق التنموية والمؤسسات العربية الإقليمية والدولية وتبرعات المنظمات الحكومية وغير الحكومية العربية والدولية، وطلب الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى من حكومة السودان أن تحدد المشروعات التي ترغب في تمويلها لإعادة تأهيل المناطق التي دمرتها الحرب ودفع عملية التنمية في جنوب السودان بعون عربي.
وأعلن السفير السوداني أحمد عبد الحليم أن الميزانية التي اقترحتها مستشارية السلام في السودان لتنفيذ هذه المشروعات بلغت 500 مليون دولار.

أحمد عبد السلام – علاء أبو العينين
نقلا عن إسلام أون لاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى