نابغونمبدعون

18 اختراعا يقدمها “شيخ الصناعيين السعوديين”فتحت له أبواب الصناعة

بدأ ناصر الحميد “شيخ الصناعيين السعوديين” حياته في سوق العمل وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وسيطرت عليه طوال حياته رغبة كبيرة في المعرفة والتعلم، حتى التحق وهو في السادسة عشرة بشركة “أرامكو”، وأخذ طموحه يكبر شيئا فشيئا حتى توصل إلى اختراعاته في مجال “التكييف والتبريد”، التي قادته إلى التفكير في إنشاء مصنعه الخاص، وبالفعل كان له هذا في عام 1955م حيث أنشأ مصنعا صغيرا نماه بالكد والتعب حتى صار المصنع مجموعة مصانع ناصر الحميد، ونال صاحبها لقب “شيخ الصناعيين” عن جداره.

لم يكن اهتمام الحميد بالصناعة نابعا من هدف مادي، بقدر ما ألحت عليه الرغبة في المعرفة بجديد التكنولوجيا الصناعية، وما إن بدأ في العمل في “أرامكو” حتى أصبح متنقلا من تخصص إلى آخر، فأتقن كل أعمال هذه الأقسام، وظل على هذا الوضع حتى بلغت تنقلاته خلال فترة لا تتجاوز خمسة أعوام نحو سبع مرات في أكثر من مجال.

بحر المعرفة

يقول الحميد واصفا رحلته: “أنا من أوائل الصناعيين في المملكة، وتنقلت كثيرا في أقسام “أرامكو” حتى أن المسؤولين بالشركة في ذلك الوقت لم يعجبهم كثرة تنقلاتي، وبالتالي نقلوني إلى قسم الجيولوجيا، كعامل أجمع لهم عينات من التربة لتحليلها من أجل اكتشاف مواقع آبار البترول والماء، وكانت طبيعة هذا العمل تحتم علينا أن يكون مقر العمل والإقامة في الصحراء، وهذا يعتبر عقابا لي، إلا أنه كان فرصة كبيرة لكي أتعلم بحرية أكثر من خلال فك كثير من الأجهزة وتركيبها دون رقيب، نظرا لأن الموقع الذي نحن فيه لا يوجد فيه إلا أنا وبعض العمال المكلفين بجمع عينات يومية وإرسالها إلى مختبرات الجيولوجيا، وأتاحت لي هذه التنقلات المستمرة والفضول المعرفة وتعلم أشياء لم أكن أعرفها من قبل، فكانت بمثابة بحر معرفة بالنسبة لي, وهذا بالضبط ما كنت أبحث عنه”.

ويضيف: “بعد ذلك بدأت أول مشروع خاص بي مع أحد الزملاء لكنه لم يستمر طويلا حتى توقف، ثم أحسست أن لدي أفكارا لابد أن أنفذها، والمكان الوحيد الذي يتيح لي الحرية في تنفيذ هذه الأفكار هو المشروع الخاص بي، وبالفعل بدأت أعمل على ذلك، ومن المفارقات التي تستحق أن تُذكر أنه عند بداية تفكيري الجدي في إنشاء المصنع، حدثت كثيرا من الذين أعرفهم عن فكرتي وأنني أريد أرضا لذلك، فضحك علي الكثير منهم، والذين كانوا يتساءلون هل يوجد أحد اليوم يريد أرضا من أجل أن يقيم عليها مصنعا؟، ومع ذلك حاولت أكثر من مرة، و مع أكثر من مسؤول من أجل أن أحصل على قطعة أرض، وما إن يعرف أي مسؤول سبب طلبي للأرض حتى تكثر علامات الاستفهام لديه”.

ويتابع الحميد: “ولكن مع ذلك حاولت الحصول على أرض وبالفعل حصلت عليها وحققت نصف الحلم وكان ذلك في عام 1955م، فبقي النصف الآخر من الحلم وهو إقامة المصنع، وبالفعل شرعت في إقامته وتنفيذ أفكاري على أرض الواقع، وفي الحقيقة أنا في ذلك الوقت كانت توجد لدي أفكار كثيرة ولم أجد من يدعمني أو يساعدني على تحويل هذه الأفكار إلى واقع. المهم بعد ذلك أصبح لدي المكان الذي أستطيع أن أنفذ فيه جزءا من أفكاري وأخرجها على أرض الواقع”.

“النسيم العليل”

أنجز شيخ الصناعيين ستة ابتكارات مختلفة جعلت من المملكة رائدة في مجال صناعة المكيفات، وساهمت اختراعاته في تحسين أداء أجهزة التكييف وخاصة في منطقة الخليج التي تعتمد عليها اعتمادا أساسيا نظرا لقساوة طقسها في الصيف، وتضاف هذه الابتكارات لرصيد المخترع الذي وصل إلى 18 اختراعا تمثل عمره المهني في مجال الصناعة.

تمثلت ابتكارات الحميد في مجال المكيفات في ابتكاره مكيفا صحراويا مهجنا ومزودا بجهاز تبريد متصل مع حوض المكيف الصحراوي بواسطة أنابيب نحاسية حتى يتم تبريد حوض المكيف، ويمكن من خلاله التحكم في درجة التبريد حسب الرغبة عن طريق جهاز “الترموستات” ليعطي درجة التبريد المطلوبة، وهذا المكيف الحاصل على براءة اختراع صمم خصيصا لملائمة الطقس في المملكة ويعد الأول من نوعه في العالم، إضافة إلى أنه يضاعف برودة الهواء ويقلل صرف الماء ونسبة الرطوبة والأملاح، كما أن نسبة البكتيريا تقل فيه نظرا لبرودة الماء.

كما ابتكر شيخ الصناعيين جهازا لتنقية أملاح المكيف الصحراوي بحيث يتم تثبيت جهاز إلكتروني داخل المنزل وتوصيله مع المكيف الصحراوي وتجري برمجة الجهاز حسب الرغبة في تنقية الأملاح كل 15 أو 30 يوماً، ويقوم الجهاز بإغلاق نفسه أتوماتيكيا، ويسحب الماء القديم إلى خارج المكيف بواسطة طلمبات ويدفع الماء النظيف إلى داخل المكيف الصحراوي ليتم تشغيله أتوماتيكيا في عملية تستغرق قرابة 10 إلى 15 دقيقة، بالإضافة إلى ابتكاره تكييفا أطلق عليه اسم “النسيم العليل” مخصصاً لحظائر الحيوانات، وقد أثبتت التجارب الفعلية نجاحه وأنه يعطي برودة عالية تصل إلى 25 درجة مئوية وأفضل من برودة المراوح المماثلة، إضافة إلى أنه يتميز بقلة الرطوبة وفلترة الهواء مما يمنع نزول الميكروبات والبكتيريا والأتربة فوق المواشي ولا يعرضها للأمراض الناتجة عن تساقط المياه في الأجواء الحارة كالرشح وغيرها.

التكييف المدهش

ابتكر “شيخ الصناعيين” أيضا برادة ماء تعمل على الأشعة، وبمجرد وضع كوب الماء أسفل الصنبور تعمل تلقائيا، وإذا أبعدت الكوب توقف سكب الماء، أما المكيف الصحراوي “المدهش” فيتميز بمضاعفة برودته، ويتم تصنيع الأبواب الجانبية من مادة “الأستانستيل” المقاوم للصدأ أكثر من الحديد المجلفن، وتم إلغاء العوائق التي كانت موجودة في المكيف القديم بما نسبته 60% بحيث أصبح الهواء يمر دون عوائق ويترطب “القش” ويضاعف البرودة، إضافة إلى وجود طلمبة ماء خارجية سهلة الصيانة تم تزويدها بمسدس مائي لتنظيف القش وحوض الماء من الداخل، ومكيف آخر وتم استبدال القش بمادة البولي إثلين والتي تعمر لمدة أطول من القش العادي وليست بحاجة إلى التغيير كل سنة وإنما تستبدل كل 20 عاما وهي مقاومة للصدأ ولها “ضمان” لمدة 25 سنة.

والطاقة البديلة من أولويات ناصر الحميد، لذلك وضع نصب عينيه تطوير مكيف يعمل بالطاقة الشمسية التي تتمتع بها أرضنا العربية، وتمكن بالفعل من تطوير مكيفات صحراوية تعمل بتلك الطاقة، ومكيفات أخرى صممت للحافلات تعمل بالطاقة الهوائية، ومكيف صحراوي يعمل على الحار والبارد، وجهاز تسخين وتبريد الماء في آن واحد، وجهاز تبريد ماء الخزانات، وجهاز تبريد المواد الكيميائية المستعملة في المصانع، ودفايات مركزية تعمل على الديزل والكهرباء، وفي الصيف تعمل على شكل مكيف صحراوي.

ابتكر الحميد كذلك مكيفا مركزيا يعمل بالطاقة الهوائية والمصمم بطريقة فنية تمكن الهواء من الدخول من فوهة مخروطية مصممة بطريقة هندسية، تدور تلقائيا باتجاه الهواء ليستقبل الهواء ويرسله عبر وسائد من القش أو الكرتون داخل المنزل بهدف تبريده وتنقيته من الأوساخ والأتربة، وفي حال انقطاع الكهرباء يتم تركيب مروحة هوائية تعمل بما يعادل 25 واط، وتعمل أتوماتيكيا بواسطة مفتاح كهربائي.

ويقول المخترع: “لم أجد من يحتضن أفكاري واختراعاتي ويوليها الرعاية، ويوجد لها المكان المناسب للنمو إلا جهدي الذاتي، ويكفي أنني حصلت إلى الآن على أربع براءات اختراع من “مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية” لمنتجات أصبحت الآن أنتجها وأسوقها محليا وخارجيا، إضافة إلى عدد من الاختراعات التي نفذتها على أرض الواقع كعينات، ولكن لم أقم بإنتاجها أو تسويقها لعدم وجود الدعم المادي الكافي”.

ويعزو “شيخ الصناعيين” كثرة ما توصل إليه من اختراعات إلى طريقته الخاصة، فهو يقوم بتحويل ما يدور في رأسه من أفكار على الورق، ثم يرسمها تقريبيا حتى تكتمل الصورة التي في رأسه على الورق، وبعد ذلك يجمع أجزاء هذه الفكرة، والتي ستكون منتجا بجهد ذاتي ومن السوق المحلية أو من السوق الخارجية، وما زالت اختراعات الحميد تتوالى حتى هذه اللحظة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى