مبدعونقصة نجاحنابغوننمي موهبتك

مازن الداوود … صانع التحول التنموي

محمد الطريقي

من بداية الألفية الثالثة حتى هذه اللحظة، ما من شك أن أهم نقطة مفصلية في تاريخ المملكة العربية السعودية هي رؤية المملكة 2030… نحن أمام عصرين: عصر ما قبل رؤية 2030 وعصر ما بعدها، والكلمة المفتاحية هنا هي التحول… كلمة قليلة حروفها مهولة بفحواها، فهي النقلة النوعية التي ستغير معالم المملكة وتنقلها من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد عالمي متعدد المصادر يضع المجتمع السعودي في طليعة الأمم.

لكن مثل هذا التحول التنموي والأهداف المتوخاة لا يمكن أن تتحقق من تلقاء ذاتها، أو تتبلور بين عشية و ضحاها. لابد من السواعد الفتيّة والعقول المستنيرة السعودية لتحويل الرؤى والتطلعات إلى حقائق ملموسة يلمس فائدتها الشعب السعودي من أدنى المستويات إلى أعلاها، لأنه و بطبيعة الحال:

لا يرتقي شعب إلى أوج العلا                     ما لم يكن بانوه من أبنائه.

هكذا لخصها الشاعر. وكلّي على ثقة – شأني شأن عامة الشعب السعودي – بأن رؤية المملكة 2030 ستؤتي أُكلها، لاسيما عندما أرى القيادات السعودية الشابة تحث الخطى تحت الراية الخضراء بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظهما الله.

وعندما أتحدث عن هذه السواعد، سأقدم هنا أنموذجاً لهذه القيادات القادرة على المساهمة الفاعلة في تسيير عجلة التحول التنموي، وتغيير النظرة التقليدية لواقع الحال بأفكار خلّاقة قلّما نرى نظيرها في أكثر دول العالم تقدماً. أتحدث عن المهندس/ مازن بن محمد الداوود، وكيل وزارة الإسكان للتطوير العقاري (سابقا)، هذا الشاب الذي يشبه الصيّب النافع، أينما وقع نفع، والذي أحدث نقلات نوعية خصوصا في قطاع الإسكان في المملكة وسار بخطى حثيثة نحو تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.

لقد أتيحت لي فرصة الاحتكاك بالعمل مع المهندس/ مازن الداوود (أبو محمد) في مجال الإسكان التنموي لما يزيد عن عام، عرفت خلالها أنني مع شخصية قيادية مخلصة عالية الطراز، شخصية اختزلت الزمن وحققت في عامين ونيف ما لم يحققه كثيرون في عقود، شخصية وظّفت علمها وخبراتها وجهودها بإخلاص لخدمة البلد عامة، مع التركيز على الفئات الأشد حاجة.

 

أثبتت الأيام أن الداوود لم يسع للحفاظ على منصب، بل على تلبية متطلبات المنصب، مهما كان الثمن. تخصصه الجامعي في هندسة الاتصالات، ووعيه بمتطلبات الوظيفة ومتطلبات رؤية 2030 والشعب السعودي وفرص التقدم التكنولوجي، ورغبته العارمة لإحداث التحوّل دفعته لإحداث هذا التحوّل. و قبل أن ينطلق المهندس/ الداوود لتحقيق التحول التنموي في القطاع العام، كان بذاته قد خاض تجربة التحول هذه على الصعيد الشخصي، بانتقاله نهاية عام 2015 م من العمل في القطاع الخاص إلى القطاع العام.

 

تلك التجربة جعلته يدرك مدى أهمية التكامل والتنسيق بين القطاعين للمساهمة في تحقيق النهضة المثلى في اقتصاد البلاد وتطورها. ومن خلال نظرة مقتضبة للمسيرة المهنية للمهندس الداوود تتجلى لنا شخصية نحتت في الصخر لتخرج الماء، شخصية صقلتها التجربة والخبرة، وتمكنت في وقت قياسي (قلّما نجد نظيراً له) من بلورة ما تعلمته  إلى أفكار وجهود خلّاقة تمخضت عنها مبادرات إبداعية أفادت المواطن السعودي أولا بصفته المستهدف الأول من عملية التحول التنموي وطورت مجالات العمل، و من جانب اخر أفادت مراكز اتخاذ القرار..

 

المهندس/ مازن الداوود لم يكتف بشهادة بكالوريوس الهندسة في مجال هندسة الاتصالات من جامعة الملك سعود، التي حصل عليها في العام 2000 م، بل أدرك أن القوة تكمن في تنوع مجالات المعرفة الحديثة لديه، فسارع إلى شق طريقه وتوسيع مداركه من خلال الالتحاق بالعديد من الدورات الدراسية في الإدارة التنفيذية  في بعض من أرقى المؤسسات والجامعات في العالم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:، جامعة هارفارد الأمريكية ، جامعة آيفي الكندية ، جامعة كوينز الكندية ، كلية اتش اي سي الفرنسية  – نحن باختصار أمام جهد فذّ طاف مراكز العلوم في الشرق والغرب ليستقي منها، سواء في هندسة الاتصالات أو الإدارة أو التسويق أو الموازنة أو التفكير الاستراتيجي أو إدارة التغيير أو تنفيذ الاستراتيجيات أو إدارة الأزمات أو اتخاذ القرار أو تطوير الموظفين أو أو أو … تطول القائمة، واستوعبها وسخّرها وسخر نفسه لخدمة أهله في المملكة.

 

عمل المهندس/ الداوود لفترة وجيزة كمهندس كهربائيات في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وكمهندس مسؤول عن تصميم البرمجيات في شركة الاتصالات السعودية قبل انتقاله للعمل في شركة موبايلي في أواخر العام 1426 هـ ليكون ضمن فريق تأسيس الشركة من الصفر ، ويبدو أن هذه المرحلة هي بذاتها التي زرعت لديه شغفه بالعمل في القطاع العام وتوليد الرغبة لديه بإحداث التغيير للأفضل في حياة المواطنين، ويبدو أيضا أن هذا الحنين ظل يرافقه طوال مسيرته المهنية في القطاع الخاص عندما التحق بشركة موبايلي وتدرج في سلّم الوظائف فيها ليصبح بعد عشرة أعوام تقريبا مديراً عاماً للمشاريع الاستراتيجية والعملاقة في نفس الشركة.

 

ليس الهدف من الإشارة إلى هذه المحطات في المسيرة المهنية للمهندس/ الداوود هو السرد من أجل السرد، بل لتوضيح فكرة أعمق، وهي أن هذا النموذج القيادي لم يهبط علينا لنراه فجأةً قد تبوأ مناصباً عليا، بل للتشديد على أن أقوى المعادن هي أكثرها تعرضاً للنار، والمهندس/ الداوود عاصر وعارك الكثير والكثير من الصعوبات والمهام والتجارب، و جابه الكثير، مما أهّله لما وصل إليه من المناصب العليا في القطاع الخاص، وفي وقت قياسي. غير أن جذوة الحنين لخدمة بلده وشعبه بشكل أوسع ظلت تشتعل داخله، فانتقل للعمل في القطاع العام كرئيس تنفيذي للهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) ليبدأ مرحلة تأسيسها منذ إنشائها في عام 1437 هـ، سعى من خلال هذا المنصب لتنظيم هذا القطاع ودعمه وتنميته ورعايته وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، لرفع إنتاجية هذه المنشآت وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35% بحلول عام 2030م – وما مبادرة (صندوق الصناديق) إلا واحدة من العديد من المبادرات الهامة التي يمكن الإشارة إليها هنا.

 

كذلك تقلد المهندس/ الداوود العديد من المناصب في القطاع العام قبل الانتقال إلى وزارة الإسكان، منها كعضو في مجلس إدارة برنامج تطوير القطاع المالي التابع لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي، وكان يعمل خلال وقبل ذلك أيضا كمستشار لوزير التجارة، وعمل أيضا كعضو مجلس إدارة في هيئة البريد السعودي وهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج.

 

و هذا يدل على أن الداوود – بالإضافة إلى خبرته القوية في تنمية القطاع الخاص – تمكن في فترة وجيزة من اكتساب خبرات عالية المستوى في القطاع العام. كل هذه العوامل ولّدت لديه نظرة ثاقبة في كيفية إحداث تكامل بين القطاعين العام والخاص وحراك تنموي عظيم.

 

هذه العوامل تكاملت أيضا عندما حصل على فرصة لإحداث النقلة النوعية والأثر القوي خلال عمله كمشرف عام على وكالة الإسكان التنموي، وكمشرف عام على التنظيم العقاري. إن حلم الداوود في المساهمة في بناء بلده وجد منفذاً ومتنفّساً في رؤية المملكة 2030 ليتجسد في صورة مبادرات نوعيّة وتطورات ذات صدى كبير لمسه المواطن السعودي ووزارة الإسكان في الوقت ذاته، و هذا ليس بالغريب  فعندما يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فماذا يمكن أن نتوقع؟!

إيمان الداوود بقضية الإسكان – وهي قضية بدت له وكأنها قضية الشعب السعودي كاملا – جعله يسخر كل طاقاته وخبراته وعلومه لتحقيق قفزات نوعيّة وجبارة. و سأشير فيما يلي وبشكل مختصر جداً لبعض منها، بوكالة التطوير العقاري في وزارة الإسكان فقط، وفي محورين اثنين ، كمثالٍ يدل على التأثير الذي يمكن لقيادةٍ شابةٍ خلّاقةٍ أن تحدثه إذا ما وضعناها في مكان صنع القرار.

 

المحور الأول حول مبادرات تنظيم القطاع العقاري، والثاني يتصل بالإسكان التنموي، و نجد هنا أنه تم التعامل مع الإسكان كمنظومةٍ كاملةٍ وقيمةٍ مضافة. ففي المحور الأول – مثلاً – ثمة أربع مبادرات تبنّتها وزارة الإسكان لعبت دوراٍ حيوياٍ في تغيير مفاهيم وأسس التطوير العقاري والتحول التنموي: مبادرة (إيجار)، مبادرة اتحاد الملّاك (ملّاك)، مبادرة (فرز الوحدات)، ومبادرة (البناء المستدام)، إلخ.

 

هذه المبادرات (كمثالٍ ليس إلّا) غيّرت العديد من المفاهيم في القطاع العقاري والسكني في المملكة، وأحدث تحولاً تنموياً جذرياً وإيجابياً ملموساً في تجربة المستفيد الحالية، خصوصاً من خلال رقمنة الإجراءات وتسهيلها وتقليل الروتين، وتقنين قطاع الإسكان لحفظ الحقوق، والمساهمة في الاقتصاد الوطني بشكل أكبر من خلال رفع تدفق الاستثمارات فيه، ورفع مستويات الجودة في قطاع الإسكان.

 

أما بالنسبة للمحور الثاني فقد تجلّت المنجزات في الإسكان التنموي في رفع نسبة المستفيدين وشراء وتشييد وبناء وحدات سكنية للأسر السعودية الأشد حاجة، من المشمولين برعاية وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية “الضمان الاجتماعي” ولديهم طلب مكتمل في بوابة الدعم السكني (إسكان)، و ذلك بالتعامل مع اكثر من 300 جمعية أهلية لتوفير السكن لتلك الأسر. تعكس لنا منصة (جود إسكان) بعض تلك الجوانب بجلاء.

 

لقد أصبح همّ تلك الأسر في الحصول على مسكن هو بذاته همّ الداوود نفسه وشعور عارم بالمسؤولية تجاههم، ساعيا نحو تحقيق هذا الهدف لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يهتم بمجاملة أحد على حساب عمله، وجاهد لتذليل العقبات وتسخير إمكانات الوظيفة لنجاح هذا الهدف الأسمى، وفي الوقت ذاته تسخير ودعم القطاع الخاص والجمعيات والمؤسسات الأهلية في البلاد لتحقيق هذا الهدف بذاته.

 

بصمته في مجال الإسكان التنموي كبيرة، كبيرة بحق، حيث أثبت الداود أن المنصب تكليف لا تشريف، وإما أن يكون أو لا يكون!!!

 

من خلال متابعتي للمنجزات والتحول التنموي المتحقق في وزارة الإسكان في مجال التطوير العقاري، اتضح أن المهندس/ الداوود سعى لتحقيق برنامج الإسكان في رؤية المملكة 2030 من أوسع أبوابه وذلك بتوفير جودة حياة للمستفيدين من خلال مفهوم التطوير الشامل لمشاريع الإسكان، بالشراكة مع القطاع الخاص، واستخدام أساليب البناء الحديثة، ورفع مستوى مساهمة المحتوى المحلي، وتوطين الوظائف في قطاع التطوير العقاري، واستقطاب المطورين العقاريين بهدف ضخ المزيد من الوحدات السكنية من أجل رفع نسبة التملك لدى المواطنين إلى 70% بحلول 2030.

 

خبرة و حنكة المهندس/ الداوود بالقطاع الخاص ألهمته بأبعاد وأهمية هذا القطاع في التحول التنموي، ولذلك فقد سعى لتذليل الصعوبات أمام المطورين العقاريين، بما من شأنه خدمة المواطن، مثلاً من خلال مشاريع البيع أو التأجير على الخارطة التابعة لوزارة الإسكان (وافي) وبرنامج (سكني) الذي تمخض عنه اكثر من ٨٠ مشروع نتج عنها أكثر من ١٠٠ ألف وحدة سكنية.

 

إن القرارات المدروسة والمبنية وفق مبادئ الحوكمة الفاعلة ووفق دراسات علمية تعتبر مفتاح النجاح. على سبيل المثال، أثبتت الدراسات تفضيل السكان للضواحي التي تتمتع بالخدمات المتكاملة، و لذلك صب المهندس/ الداوود اهتمامه على هذه الحيثية، وسعى لتنفيذ مبادراتٍ، وفق برامج زمنيةٍ محددةٍ، ومن خلال مشاريع نوعيةٍ، والتنسيق والتكامل مع باقي جهات الاختصاص في وزارة الإسكان والوزارات الأخرى للعمل على إضفاء القيمة المضافة للسكن بتوفير متطلبات الحياة العصرية والرفاهية للسكان والفعالية من حيث الكفاءة التشغيلية والصيانة وضمانات ما بعد البيع .

 

هذا المقال المقتضب لا يمكنه بأي حال من الأحوال سرد المنجزات التي حققها المهندس/ الداوود، وليس هذا هو الهدف هنا، لاسيما وأن ما أشرنا إليه ليس إلا رؤوس أقلام لا يمكنها إنصاف جهوده ومبادراته، فالهدف هو التنويه فقط إلى أن وجود قيادة شابة ومؤهلة وفذّة وطموحة ومبدعة يمكنها أن تقلب الموازين وتنهض بالاقتصاد و تحقق طموحات القيادة رعاها الله في رؤية ٢٠٣٠ وتسهم في وضع المملكة ضمن مصاف أفضل اقتصادات العالم.

 

لقد عكس لنا المهندس/ الداوود أن القطاع العام السعودي يعمل بوتيرة أسرع من القطاع الخاص ويعيش قصة تحوّلٍ تاريخيةٍ وجبارةٍ، تبوأ فيها الشباب دوراً قيادياً حيوياً ومبتكراً ويقدمون كمية إبداعٍ جبارةٍ لتتوافق مع الطموح اللانهائي للقيادة الحكيمة والشعب السعودي.

 

حفظ الله بلادنا من كل شر، وأدام علينا نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ووفّق ولاة أمورنا للخير وأعانهم وشبابنا على النهوض بهذا البلد والصعود به على سلّم المجد.

مقال صحفي بقلم:

البروفيسور / محمد بن حمود الطريقي

أستاذ ومستشار   هندسة التأهيل وتمكين المستفيدين والتنمية المستدامة

المدير الفني لمشروع موئل الأمم المتحدة للإسكان التنموي بوزارة الإسكان

الرياض – المملكة العربية السعودية

dr.alturaiki@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى