مبدعونشخصيات فنية

ستيفن سبيلبرغ.. “مجنون السينما” الذي بدأ حياته الفنية “متسللا”!

 

  • رفضت جامعة “جنوب كاليفورنيا” قبوله في تخصص السينما.. ودرس اللغة الإنجليزية بدلا من ذلك
  • قدم أول فيلم له وهو الـ20 من عمره بعنوان “البندقية الأخيرة”.. وكانت هذه بدايته في “هوليوود”
  • أخرج 4 من بين أعظم 10 أفلام عالمية حققت أعلى الإيرادات في شباك التذاكر
  • كل عمل سينمائي له تلهث وراءه أنفاس المشاهدين.. وهو “سيد الخيال العلمي” بلا منازع
  • فيلم “الفك المفترس” منع الناس بعد عرضه من نزول البحار لبضعة أشهر خوفا على حياتهم
  • “آي تي” الذي يتناول حياة كائن فضائي سقط على الأرض حقق أعلى إيرادات في التاريخ
  • اتُهم بمعادة العرب في أفلامه باعتباره يهوديا فناصر حقوق الفلسطينيين في فيلمه “ميونيخ”

 

ستيفن سبيلبرغ واحد من أشهر وأنجح المخرجين في تاريخ السينما العالمية، فقد أخرج 4 من بين أعظم 10 أفلام حققت أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، ومنها “الفك المفترس” الذي منع الناس في كل انحاء العالم بعد عرضه من نزول البحار خوفا على حياتهم لبضعة أشهر، وفيلم “آي تي” الذي يتناول حياة كائن من الفضاء الخارجي سقط على الأرض، والفيلم الأخير حقق أعلى إيرادات في التاريخ.

وسبيلبرغ الذي يمتلك حاليا شركة “دريم ووركس” للإنتاج الفني، هو المخرج الذي حاز أكبر عدد من “الأوسكار” أهم جوائز السينما العالمية كأفضل مخرج عن أفلامه ومنها “قائمة شندلر” عام 1993، و”إنقاذ الجندي رايان” عام 1998، كما حققت أفلامه الأخرى ومنها “آي تي” و”حديقة الديناصورات” و”جسر الجواسيس” نجاحا باهرا منقطع النظير في الولايات المتحدة والعالم كله.

“مجنون الأفلام ستيفن سبيلبرغ”

وُلد ستيفن آلان سبيلبرغ في 18 ديسمبر 1946 لأسرة  يهودية، تنحدر من مدينة نمساوية تدعى “سبيلبرغ” التي عاش بها جده الأول في القرن السابع عشر، وكان والده أرنولد سبيلبيرغ مهندسا كهربائيا، بينما كانت والدته ربة منزل.

وقضى سبيلبرغ طفولته في مرتفعات هادون نيوجيرسي بولاية أريزونا، وكان طوال سنوات المراهقة المبكرة من هواة “المغامرات” التي كان يراها الأفلام، حيث كان مولعا بالسينما منذ طفولته وصباه المبكر، ويريد أن يصبح مخرجا، وهو حلم بعيد المنال لكنه استطاع أن يحققه في نهاية المطاف.

وعلى الرغم من حماسه الكبير لم يتم قبوله في جامعة “جنوب “كاليفورنيا في تخصص السينما، وبدلا من ذلك درس اللغة الإنجليزية، وبعد أن أنهى دراسته الجامعية انتقل إلى عالم السينما.. متسللا!

فقد تغيرت حياته تماما عندما قام بجولة في استديوهات شركة “يونيفرسال” الشهيرة للإنتاج الفني، وهو في السابعة عشرة من عمره، حيث تسلل خلسة لكي يشاهد تصوير فيلم حقيقي، واستطاع رغم دخوله الاستديو متسللا أن يقابل أحد مديري الشركة، وتحدث معه عن شغفه بفن السينما، وكيف أنه “مجنون بالأفلام”، وعن طموحه لأن يكون أحد صناع “الفن السابع”.

وفي صباح اليوم التالي، ارتدى الصبي “ستيفن” بذلة كاملة وحمل حقيبة والده التي لم يكن بها سوى شطيرة خبز وقطعتي حلوى، ثم عاد إلى الاستوديو، وراح يتصرف بحرية تامة وكأنه ينتمي لهذا المكان منذ زمن بعيد!

ووجد الصبي بيتا متنقلا مهجورا فكتب عليه عبارة “ستيفن سبيلبرغ، مخرج سينمائي”، ثم قضى صيف ذلك العام في مقابلة المخرجين والكتاب والمحررين، وكان يتجول في هذا العالم الخيالي الذي يتوق إليه، حيث يتعلم من كل محادثة، ويلاحظ كل شئ، ويكتسب المزيد من قوة الإحساس بالأمور الفنية الصغيرة التي من شأنها ضمان في صناعة السينما.

وقدم “ستيفن” وهو في العشرين من عمره إلى شركة “يونيفرسال”، بعد أن أصبح وجها مألوفا في الاستوديوهات، سيناريو متواضعا كتبه بنفسه تحت عنوان “البندقية الأخيرة”، فتوسم فيه القائمون على الشركة موهبة فنية لامعة، وعرضوا عليه عقدا لمدة 7 سنوات لإخراج مسلسل تليفزيوني، وكانت هذه هي بدايته في عالم “هوليوود” المثير.

دراما الفك المفترس

لكن مسيرة سبيلبيرغ الحقيقية في مجال الإخراج بدأت عام 1975 مع “الفك المفترس”، فيلم الرعب الشهير عن أسماك القرش، والذي يحكي عن سمكة قرش تثير الرعب في إحدى المناطق الساحلية وتقتل البشر الذين يسبحون في البحر، وترشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار أخذ ثلاثا منها دفعة واحدة.

وعلى إثر النجاح الهائل الذي حققه “الفك المفترس” والذي جعل الكثيرين من الناس يخشون السباحة لأشهر طويلة بعد عرض الفيلم خوفا من وجود أسماك القرش، خرج سبيلبيرغ بتحفته الفنية الثانية “النوع الثالث”، وترشح الفيلم لثمانية جوائز أوسكار خرج منها بواحدة فقط وهي جائزة أفضل تصوير سينمائي.

وفي عام 1981، صنع المخرج الجزء الأول من سلسلة أفلام المغامرات عن شخصية “إنديانا جونز” الشهيرة، الذي مثل دور البطولة فيه النجم هاريسون فورد، وقدم إحدى الشخصيات الشهيرة والخالدة في السينما، وترشح الفيلم كذلك لـ8 جوائز أوسكار خرج منها بـ4، ليصبح مخرجه صاحب أكبر رصيد من أهم جوائز السينما في العالم.

وشهد عام 1982 حدثا تاريخيا مهما في حياة سبيلبيرغ، حين أخرج فيلمه الشهير “آي تي” الذي حقق نجاحا عالميا منقطع النظير في ذلك الوقت عن قصة المخلوق الفضائي الذي نسيه أهله في كوكب الأرض، ويساعده مجموعة من الأطفال من أجل العودة إلى كوكبه البعيد، وحاز الفيلم 4 جوائز أوسكار أخرى.

ولم يتوقف نجاح سبيلبيرغ نقديا أو جماهيريا عند هذه الأفلام، بل استمر يقدم أفلاما جعلته المخرج “رقم واحد” في العالم من حيث الإيرادات والشهرة، فأصبح الجمهور يذهب إلى دور السينما لمشاهدة أي فيلم يحمل توقيع “سبيلبيرغ”.

وأمضى المخرج معظم حياته في إخراج وإنتاج أفلام المغامرات والخيال العلمي، وهو ما جعله يفكر على سبيل التغيير في إخراج أفلام درامية ذات طابع اجتماعي، ومنها فيلم اللون القرمزي” الذي شاركت فيه مقدمة البرامج الشهيرة أوبرا وينفري، ترشح لـ11 جائزة أوسكار من ضمنها أفضل فيلم وإخراج وممثلة رئيسية وممثلتين ثانويتين، لكنه لم ينل أي “أوسكار” على الإطلاق!

غير أن كل هذه الترشيحات كانت كافية تماما لتأكيد أن سبيلبيرغ مخرج متعدد المواهب وقادر على إخراج نوعيات مختلفة من الأفلام، وليس أفلام الخيال العلمي فحسب.

وفي عام 1987، قدم الرجل فيلم “إمبراطور الشمس” الذي تدور أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية، من خلال قصة طفل بريطاني وقع أسيرا في معتقلات اليابانيين، ورُشح الفيلم لـ6 جوائز أوسكار رغم أنه كان متوسط النجاح من حيث الإقبال الجماهيري، وهو ما يعني أن المخرج الكبير لم يضع “شباك التذاكر” نصب عينيه في كل الأفلام، كما أُشيع عنه في أوساط نقاد السينما على مستوى العالم.

ولدى تسلّمه جائزة أوسكار “أفضل مخرج” عن فيلمه الشهير “قائمة شيندلر” الذي أتاح له أخيرا أن يمسك بيده لأول مرة تمثال الجائزة الذهبي، وقال سبيلبيرغ إنه “يعرف الكثير من الأصدقاء الذي يحوزون تمثال الأوسكار في مكاتبهم وبيوتهم، ولكنه يقسم أنه لم يلمس التمثال أبدا حتى لحظة حصوله عليه”!

شارك المخرج في الحياة السياسية الأمريكية، وكانت له علاقة وطيدة مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون، كما قدم الدعم لزوجة “بيل” هيلاري كلينتون في حملتها الرئاسية ضد الرئيس الحالي باراك أوباما.

سيد الخيال العلمي

عادة ما يُضرب المثل بــ”سبيلبرغ” للإشارة إلى مستوى معين من القدرة على تقديم عمل سينمائي تلهث وراءه أنفاس المشاهدين، فهو سيد الخيال العلمي بلا منازع، وفي لقطاته المصورة بكاميرا ذات إيقاع انسيابي تظهر الشخصيات وتختفي بنفس التدفق الطبيعي الأصيل الذي يجعل من العسير تصديق أن مثل هذه المشاهد مُصممة ومُعدة سلفا.

وحتى في خضم ذاك الطابع الجهنمي الذي يكسو فيلم مثل “قائمة شندلر”، يمكن أن تفغر أفواه المشاهدين من فرط الإثارة، بفعل القدر الهائل من العبقرية التي يتمتع بها هذا الرجل في مجال تقديم مشاهد سينمائية أخاذة.

وفي الأعوام الأخيرة، بات سبيلبرغ مشدودا أكثر من أي وقت مضى إلى الموضوعات التاريخية، والتي يختارها بحسب مدى تلائمها مع ظروفنا الراهنة، وهو يقول إنه “أصبح الآن راغبا في أن يدع حقائق التاريخ تعبر عن نفسها بالكلمات وباللقطات السينمائية سواء بسواء”، ليتحول إلى نمط جديد من أنماط المخرجين الكلاسيكيين.

وفي فيلم “ميونيخ”، الذي أخرجه سبيلبرغ عام 2005، تحول ما جرى في أعقاب أزمة احتجاز الرهائن الإسرائيليين خلال دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية في عام 1972، إلى تأمل ذي طابع مفعم للغاية بالتشويق والإثارة بشأن قضية “الانتقام بدوافع وطنية”، ولماذا يكون من المُقدر فشل تلك المحاولات، سياسيا وروحيا، والفيلم نوع من “المعارضة السينمائية” لعمل آخر مضاد للعرب ظهر في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

وقدم الرجل في “ميونيخ” ما ينفي تعصبه كيهودي لإسرائيل، ويؤكد نزعته الإنسانية التي تنظر إلى الأمور بشكل موضوعي لا تخالطه الرغبة ولا الشعور، ففي هذا الفيلم يدين العنف الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين، ويقول، من خلال أحد مشاهد الفيلم، إن اليهود سيفقدون هويتهم كأصحاب ديانة سماوية جليلة إن هم استمروا في عملياتهم الدموية، كما يأتي بشخصية مناضل فلسطيني، ليتحدث مع بطل الفيلم عن حاجة الفلسطينيين إلى “وطن” خاص بهم.

أما في فيلم “لينكولن”، الذي يتناول سيرة حياة الرئيس الأمريكي الراحل أبراهام لينكولن بصورة تتسم بطابع رصين وكاشف وموح في نفس الوقت، فقد استخدم سبيلبرغ المعركة التي خاضها لينكولن لإنهاء العبودية، كوسيلة لإيضاح المعنى الحقيقي للسياسة من خلال الدراما.

ويبدو من جميع أعمال المخرج الشهير أنه شغوف بأفلام الحروب والحركة وأفلام الخيال العلمي، التي تتناول موضوع المخلوقات الفضائية.

من جهة أخرى، يشكل فيلم “جسر الجواسيس” الذي تم عرضه العام الماضي تناولا دراميا لقضية جاسوسية بدأت وقائعها عام 1957، وهو عمل سينمائي من الطراز الأول على غرار فيلميّه التاريخييّن السابقين البارزين “ميونيخ” و”لينكولن”.

وفي نوفمبر من العام الماضي 2015، قلد الرئيس الأمريكي باراك أوباما سبيلبرغ “ميدالية الحرية” وهي أعلى وسام مدني في البلاد، تقديرا لمجمل أعماله السينمائية، ولمسيرته الحافلة في عالم الأطياف، وهي المسيرة التي اختطها الرجل لنفسه على الرغم من المصاعب التي تعرض عليها في بداية مسيرته، لكن استطاع بدأبه وصبره أن يتغلب عليها جميعا.

وقال الرئيس أوباما لدى منح سبيلبرغ الوسام: “إن أفلام سبيلبرغ مطبوعة بإيمان كبير بإنسانيتنا المشتركة، وقصصه طبعت قصة الولايات المتحدة، فيما طبعت قيمه التي رسخ لها في الأفلام عالمنا أيضا ، وأعمال سبيلبرغ مطبوعة بخيال غير محدود وعوالم توصف بأدق التفاصيل وشخصيات تناضل من أجل التحكم في مصائرها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى